منتديات اليمن اغلى

آخر 10 مواضيع : قصيدة الخيل والليل والبيداءُ تعرفني - للمتنبي (الكاتـب : - )           »          يا رسول الله ... تصميمي (الكاتـب : - )           »          سرقنا حبنا سكته! (الكاتـب : - )           »          جُرح الغياب .. بقلمي (الكاتـب : - )           »          وسع وسع ياعم ،تماسيح المنتدى وصلوا ههههههه (الكاتـب : - )           »          ** الفرق بين الشباب والبنات بالعزايم ** (الكاتـب : - )           »          كل من في مقعده …. (الكاتـب : - )           »          اغلى احبابي (الكاتـب : - )           »          ابو شامة (الكاتـب : - )           »          مافي ثقة في ذالزمن. لشاعر أبونعيم ألكحيل (الكاتـب : - )

العودة   منتديات اليمن أغلى YEMEN FORUMS > ::: المنتـديات العـــامة ::: > •• الثـقــــافة الأســــلاميـة
حفظ البيانات؟

التسجيل السريع مُتاح
عزيزي الزائر! سجلاتنا تفيد انك لست عضو لدينا في المنتدى,في حال رغبت بالاِنضمام الى أسرتنا في المنتدى ينبغي عليكم ملئ النموذج التالي !

اسم المستخدم: كلمة المرور: تأكيد كلمة المرور:
البريد الالكتروني: تأكيد البريد:
تاريخ الميلاد:       موافق على شروط المنتدى 

الإهداءات
اليمن أغلى : وفي يوم الجمعة " اللهُم قدراً جَميلاً وخبَراً جميلاً ودعوهً مُستجابة ." اللهُم قرب بيننا وبين دعواتنا التي فوضناها إليك اللهُم الإجابة لكل دُعاء و أمنية ،،' جمعة مباركة ❤

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-10-2019, 12:45 PM   #11
عضو مميز
 
الصورة الرمزية عاـاـاشق الصمت
 
تاريخ التسجيل: 1 - 10 - 2011
الدولة: لامكان لاوطن
المشاركات: 11,897
معدل تقييم المستوى: 6071
عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute
افتراضي رد: شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )

(12) الحليم

الحليــــم سبحــــانه وتعالى:
الله الحليم سبحانه وتعالى هو الصبور المتصف بالحلم، يتمهل ولا يتعجل، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات، فهو سبحانه يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب، ولو أنه عجل لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب، ولكن الله عزَّ وجلَّ هو الحليم ذو الصَّفحِ والأناةِ، استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه في ملكه، واستبقاه إلى يوم موعود وأجلٍ محدود، فأجَّل بحلمه عقاب الكافرين، وعجَّل بفضله ثواب المؤمنين.

المعنى اللغوي:
الحِلْمُ بالكسر: الأناة والعَقْل، وجمعه أحلامٌ وحُلُومٌ، وأحلام القومِ: حُلماؤُهُم، ورجل حليمٌ من قومٍ أحلامٍ وحُلماء، والحِلْمُ: نقيض السفه. قال الراغب الأصفهاني: الحِلْمُ: ضبطُ النفس والطبع عن هيجـــان الغضب وجمعه أحلامٌ. قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} [الطور من الأية:32]، أَحْلَامُهُمْ، أي: عُقولُهُم، فالحلم بمعنى: العقل أي الإحكــــام وضبطُ النفس، وحَلُم، أي: ضبط نفسهُ وسيطر عليها.

وروده في القرآن الكريم:
ورد الاسم في القرآن إحدى عشرة مرة، منها: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة من الأية:235]. وقوله سبحانه وتعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263]. وقول الله عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب:51]. وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44].

معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى:
الحليـــم: الذي لا يعجل على عبــــاده بعقوبتهم على ذنوبهم، حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه، في تركه تعجيـــل عذابه له، حليمًا ذو الصفح والأنــــاة، لا يستفزه غضب ولا يستَخِفُّهُ جهلُ جـــاهلٍ ولا عصيـــانُ عاصٍ. ولا يستحق الصافحُ مع العجز اسم الحِلْمِ، إنما الحليمُ هو الصفوح مع القدرة والمتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. وقد أنعمَ بعض الشعراء بيـــان هذا المعنى في قوله: لا يدركُ المجدَ أقوامٌ وَإنْ كَرُمُوا *** حتى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لأقوامِ ويُشتَموا فترى الألوان مُسفرةً *** لا صَفحَ ذُلٍّ ولكن صفحَ أحْلامِ

يقول الإمام الغزالي "الحليم: هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل:61]" (المقصد الأسنى: [1/103]). وتأمل حلم الله تعالى على عباده، في قوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس:11]. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف:58]. فالحليــم هو الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام، ولا يحبس عن عباده بذنوبهم الفضل والإنعام، بل يرزق العاصي كما يرزق المطيع، وإن كان بينهما تفاضل على مقتضى الحكمة، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب. وحِلْمُ الله تعالى عظيــــم، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله: «ما أحدٌ أصبر على أذى يسمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم» (متفق عليه). يقول ابن القيم في نونيته (القصيدة النونية: 244): وَهْوَ الحَلِيــــــمُ فَلا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ *** بِعُقُوبَةٍِ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الحليم.
كيفية التخلُّق بالحلم: لا شك إن الحلم خُلُقٌ عظيم، كما قال النبي لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» (رواه مسلم)، وقال: «إن الله يحب الغني الحليم المتعفف، ويبغض البذيء الفاجر السائل الملح» (رواه البزار وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب: 819). فالحلم صفة تُكسِبُ المرء محبة الله ورضوانه، وهو دليلٌ على كمال العقل وسعة الصدر وإمتلاك النفس، والذي يتخلَّق بهذا الخُلُق سيكون له أثرًا عظيمًا في تهذيبه وتربيته لنفسه.

قال القرطبي رحمه الله: "فمن الواجب على من عَرَفَ أن ربَّهُ حليمٌ على من عصـــاه، أن يحلُم هو على من خــالف أمره، فذاك به أولى حتى يكون حليمًا فينــال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر سورة غضبه ويرفع الانتقــام عن من أســـاء إليه، بل يتعود الصفح حتى يعودَ الحِلم له سجية. وكما تحب أن يحلُمَ عنك مالكك، فاحلم أنت عمن تملك؛ لأنك متعبدٌ بالحلم مُثــابٌ عليه. قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]، وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43]". فالحلمُ يعمل على تآلف القلوب، وينشُر المحبة بين الناس، ويُزيل البغض ويمنعُ الحسد، ويُميل القلوب ويستحق صاحبه الدرجات العلا والجزاء الأوفر، والحليــــم لا يكون إلا حكيمًا، واضعًا للأمور مواضعها، عالمًا قادرًا، إن لم يكن قادرًا كان حلمه مُتلبسًا بالعجز والوهن والضعف، وإن لم يكن عالمًا كان تركه للانتقام جهل، وإن لم يكن حكيمًا ربما كان حلمه من السفه.

وقد ذكر الإمام الماوردي عشرة أسبــــاب دافعة للحلم في كتابه (أدب الدنيا والدين)، فقال:
"الْحِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَقِّهَا بِذَوِي الْأَلْبَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ الْعِرْضِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ وَاجْتِلَابِ الْحَمْدِ". وَأَسْبَابُ الْحِلْمِ الْبَاعِثَةُ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ عَشَرَةٌ:
1) الرَّحْمَةُ لِلْجُهَّالِ: وَذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ يُوَافِقُ رِقَّةً، وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مِنْ أَوْكَدِ الْحِلْمِ رَحْمَةُ الْجُهَّالِ.
2) الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْتِصَارِ: وَذَلِكَ مِنْ سَعَةِ الصَّدْرِ وَحُسْنِ الثِّقَةِ في رَبِّهِ وما عنده من جزيـــل الثواب.
3) التَّرَفُّعُ عَنْ السِّبَابِ، وَذَلِكَ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَقَدْ قِيلَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيِّدًا لِحِلْمِهِ". وعن عائشة قالت: "لم يكن رسول الله فاحشًا ولا متفحشًا، ولا سخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
4) الِاسْتِهَانَةُ بِالْمُسِيءِ، وَذَلِكَ قد يؤدي إلى ضَرْبٍ مِنْ الْكِبْرِ وَالْإِعْجَابِ، ولكنه مع الجُهال وأعداء الله يُعد من العزة، حُكِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ: "أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْعِرَاقَ جَلَسَ يَوْمًا لِعَطَاءِ الْجُنْدِ وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: أَيْنَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَاهُ الزُّبَيْرُ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ إنَّهُ قَدْ تَبَاعَدَ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ : أَوَيَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنِّي أُقِيدُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ فَلْيَظْهَرْ آمِنًا لِيَأْخُذَ عَطَاءَهُ مُوَفَّرًا، فَعَدَّ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الْكِبْرِ". وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ : إذَا نَطَقَ السَّفِيهُ فَلَا تُجِبْهُ *** فَخَيْرٌ مِنْ إجَابَتِهِ السُّكُوتُ سَكَتُّ عَنْ السَّفِيهِ فَظَنَّ *** أَنِّي عَيِيتُ عَنْ الْجَوَابِ وَمَا عَيِيتُ
5) الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ جَزَاءِ الْجَوَابِ، والباعث عليه ما يَكُونُ مِنْ صِيَانَةِ النَّفْسِ وَكَمَالِ الْمُرُوءَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ، فيجب أن يصون لسانه ويترفع عن أن يرد الأذى بالأذى.
6) الْكَرَمُ وَحُبُّ التَّأَلُّفِ وَالتَّفَضُّلُ حُكِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَا عَادَانِي أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَخَذْت فِي أَمْرِهِ بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إنْ كَانَ أَعْلَى مِنِّي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْت قَدْرِي عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ".
7) الحَزم وَاسْتِنْكَافُ السِّبَابِ وَقَطْعُ السِّبَابِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: "مَا أَدْرَكْت أُمِّي فَأَبَرُّهَا، وَلَكِنْ لَا أَسُبُّ أَحَدًا فَيَسُبُّهَا"، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "فِي إعْرَاضِك صَوْنُ أَعْرَاضِك"، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَفِي الْحِلْمِ رَدْعٌ لِلسَّفِيهِ عَنْ الْأَذَى *** وَفِي الْخَرْقِ إغْرَاءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا
8) الْخَوْفُ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ عزَّ وَجَلَ.. فَقَدْ قِيلَ: "الْحِلْمُ حِجَابُ الْآفَاتِ".
9) الْوَفَاءِ وَحُسْنِ الْعَهْدِ: فإن كان من أســاء إليـــك له مَكرُمة سالفة عليك، عليك أن ترعاها له وتتغاضي عن خطأه وفاءً له.
10) الحِكمة في التعامل مع الأمور: وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "إذَا سَكَتَّ عَنْ الْجَاهِلِ فَقَدْ أَوْسَعْتَهُ جَوَابًا وَأَوْجَعْتَهُ عِقَابًا".

الفرقُ بين الحِلْمُ وكظم الغيظ:
يقول الإمام الغزالي: "الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلُّم أي تكلف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهو الحلم الطبيعي وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا" (إحياء علوم الدين: [3/176]).

فمن كانت طبيعته كثرة الغضب قبل الالتزام، لابد أن يظهر أثر الإيمان عليه بأن يصير أكثر حلمًا. وإن لم يجد للإيمان أثرًا على طباعه، فليعلم أن عمله مدخول كما يقول ابن القيم رحمه الله: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الربَّ تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول" (مدارج السالكين: [2/68]).

وقد ضرب لنا النبي أعظم مثل في التحلي بخُلُق الحِلْم: عن أبي هريرة: أن رجلاً أتى النبي يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه. فقال رسول الله: «دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً»، ثم قال: «أعطوه سنًا مثل سنه »، قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أمثل من سنه، قال: «أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء» (رواه البخاري ومسلم). وعن ابن مسعود قال: "كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (متفق عليه).

وعن أنس أنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة ورجع نبي الله في نحر الأعرابي حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت به حاشية البُرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ثم ضحك ثم أمر له بعطاء". (متفق عليه)، فيا لشدة حُلم النبي على هذا الأعرابي الذي جذبه جذبًا شديدًا من ثيابه، فلم يغضب منه بل ضَحِكَ.

وعن عائشة قالت: "إن اليهود أتوا النبي فقالوا: السام عليك. قال: «وعليكم»، فقالت عائشة: السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله: «مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش». قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» (متفق عليه).

وعن عائشة أنها سألت الرسول: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟، فقال: «لقد لقيت من قومك فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أفق إلا في قرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا» (متفق عليه).

وأمرنا بالتحلي بهذا الخُلُق العظيــــم:
قال رسول الله: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (متفق عليه). وعن أبي هريرة: أن رجلاً قال للنبي: أوصني. قال: «لا تغضب». فرد ذلك مرارًا، قال: «لا تغضب» (رواه البخاري). وعن عبد الله بن سرجس المزني أن النبي قال: «السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

والحلم كمال العلم كما قال عمر: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم" (إحياء علوم الدين: [3/178]). وعن علي بن الحسين بن علي أنه سبه رجل، فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم، فقال بعضهم: "جمع له خمس خصال محمودة: الحلم، وإسقاط الأذى، وتخليص الرجل مما يبعد من الله عزَّ وجلَّ، وحمله على الندم والتوبة ورجوعه إلى مدح بعد الذم اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير" (إحياء علوم الدين: [3/178]).

كيف ندعو الله تعالى باسمه الحليـــم؟
عن ابن عباس قال: كان النبي يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربِّ السموات والأرض وربِّ العرش العظيم» (متفق عليه).

المصدر: موقع الكلم الطيب
عاـاـاشق الصمت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-2019, 12:45 PM   #12
عضو مميز
 
الصورة الرمزية عاـاـاشق الصمت
 
تاريخ التسجيل: 1 - 10 - 2011
الدولة: لامكان لاوطن
المشاركات: 11,897
معدل تقييم المستوى: 6071
عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute
افتراضي رد: شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )

(13) العفو

العفوُّ سبحانه هو الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلاً وإنعامًا، حتى يزول اليأس من القلوب وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب. ومن حِكمة الله عزَّ وجلَّ تعريفه عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته، وأنه رهينٌ بحقه فإن لم يتغمده بعفوه ومغفرته وإلا فهو من الهالكين لا محالة، فليس أحدٌ من خلقه إلا وهو محتاجٌ إلى عفوه ومغفرته، كما هو محتاجٌ إلى فضله ورحمته. اللهمَّ اعفُّ عنَّا واغفر لنـــا

ورود الاسم في القرآن الكريم:
سمى الله عزَّ وجلَّ نفسه العَفوُّ على سبيل الإطلاق في خمس آيات، في قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء من الأية:43]، وقوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء من الأية:99]، وقوله: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:149]، وقوله عزَّ وجلَّ: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج:60]، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة من الأية:2].

المعنى اللغوي للعفو:
العَفوُّ في اللغة على وزن فعُول من العَفوِ، وهو من صيغ المبالغةِ، يقال: عَفا يَعْفو عَفوا فهو عاف وعَفوٌّ،
والعفو يدلّ على معنيين أصليّين:
1) ترك الشّيء
2) طلبه
ومن المعنى الأوَّل عفو الله تعالى عن خلقه، وذلك تركه إيّاهم فلا يعاقبهم، فضلاً منه تعالى. قال الخليل "العفو : تركُكَ إنسانًا استوجَبَ عُقوبةً فعفوتَ عنه تعفُوِ والله العَفُوُّ الغَفور" (كتاب العين: [2/258]). وقال ابن فارس: "وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق. ألا ترى أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: «عفوت عنكم عن صَدَقة الخيل» (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني: 1790)، فليس العفو هاهنا عن استحقاق، ويكون معناه تركت أن أُوجِب عليكم الصّدقةَ في الخيل" (معجم مقاييس اللغة: [4/57])، أي: إنه لا يُشترط للعفو عن شخصٍ ما أن يكون مُستحقًا لذلك. فالعفو هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه، وأَصله المَحْوُ والطمْس، والعفو يأتي أيضًا على معنى الكثرة والزيادة، فعَفوُ المالِ هو ما يَفضُل عن النَّفقة كما في قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة من الأية:219]، وَالعَفْو فِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ: «سَلُوا اللهَ العَفْو وَالْعَافِيَةَ» (رواه الترمذي وصححه الألباني)، "فأَما العَفْوُ: فَهُوَ مَا وصفْناه مِنْ مَحْو اللَّهِ تَعَالَى ذُنوبَ عَبْدِهِ عَنْهُ، وأَما الْعَافِيَةُ: فَهُوَ أَن يُعافيَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سُقْمٍ أَو بَلِيَّةٍ وَهِيَ الصِّحَّةُ ضدُّ المَرَض. يُقَالُ: عافاهُ اللَّهُ وأَعْفَاه أَي وهَب لَهُ الْعَافِيَةَ مِنَ العِلَل والبَلايا. وأَما المُعافاةُ: فأَنْ يُعافِيَكَ اللهُ مِنَ النَّاسِ ويُعافِيَهم منكَ، أي: يُغْنيك عَنْهُمْ وَيُغْنِيَهِمْ عنك ويصرف أَذاهم عَنْكَ وأَذاك عَنْهُمْ، وَقِيلَ: هِيَ مُفاعَلَة مِنَ العفوِ، وَهُوَ أَن يَعْفُوَ عَنِ النَّاسِ ويَعْفُوا هُمْ عَنْهُ" (لسان العرب: [15/73]). الفرق بين العفو والغفران: يتمثّل

الفرق بين العفو والغفران في أمور عديدة أهمّها: ·
أنَّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يكون إلّا في حقّ الباريء سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران من الأية:135]. ·
أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذَّمُّ، ولا يقتضي نيل الثَّواب ويستعمل في العبد أيضًا. ·
العفو قد يكون قبل العقوبة أو بعدها، أمّا الغفران؛ فإنّه لا يكون معه عقوبة البتَّة ولا يوصف بالعفو إلّا القادر عليه. · في العفو إسقاط للعقاب، وفي المغفرة ستر للذّنب وصون من عذاب الخزي والفضيحة.

معنى الاسم في حق الله تعالى:
قال ابن جرير: "{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا} [النساء من الأية:43]، أي: إن الله لم يزل عفوًا عن ذنوب عباده، وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به" (جامع البيان: [5/74]). وقال الزجاج: "والله تعالى عفوٌّ عن الذنوب، تاركٌ العقوبة عليها" (تفسير الأسماء: 62).
وقال الخطَّابي: "العَفْوُّ: الصَّفحُ عن الذنوب، وتركُ مُجازاة المسيء" (شأن الدعاء: 90).
قال الحليمي: "العَفْوُّ، معناه: الواضعُ عن عباده تَبِعَات خطاياهم وآثارهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم مما فعلوا، فيُكفِّر عنهم ما فعلوا بما تركوا، أو بشفاعة من يشفع لهم، أو يجعل ذلك كرامة لذي حرمة لهم به، وجزاء له بعمله" (المنهاج: [1/201]).
قال السعدي :"(العَفْوُّ، الغَفور، الغَفَّار) الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفًا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفًا، كل أحدٍ مضطرٌ إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطرٌ إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]" (تيسير الكريم الرحمن: [5/300]).

يقول الغزَّالي: "العَفْوُّ: هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو قريب من الغفور ولكنه أبلغ منه، فإن الغفران ينبيء عن الستر والعفو ينبيء عن المحو والمحو أبلغ من الستر" (المقصد الأسنى: [1/140]).
وقال ابن القيم في قصيدته النونية: وَهْوَ العَفُوُّ فعَفْوُهُ وَسِعَ الوَرَى *** لَوْلاهُ غَارَ الأَرْضُ بالسُّكَّانِ

حظ العبد من اسم الله العَفْوُّ:
1) كثرة الدعـــاء باسم الله العَفْوُّ وسؤال الله العفو والعافية ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في حديث عائشة أنها قالت: "قلت: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟، قَالَ" تَقُولِينَ: «اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني: 3850).
وعن أبي بكر قال: قام رسول الله على المنبر ثم بكى، فقال: «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية» (رواه الترمذي وصححه الألباني، مشكاة المصابيح: 2489).
وعن ابن عمر قال : "لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح" «اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني: 3871).

2) الاستغفار والتوبـة والعمل الصالــح: فمن كمال عفوه سبحانه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثمَّ تاب إليه ورجع، غفر له جميع جُرْمِهِ، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

3) اعفُ يُعْفَ عنك وقد حثَّ الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار، وقد كان أبو بكر الصديق يتصدَّق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه، فلما شارك المنافقين في اتهام أم المؤمنين عائشة بالإفك وبرأها الله عزَّ وجلَّ، قال أبو بكر: "وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَال لعَائِشَةَ"، فَأَنْزَل اللهُ سبحانه وتعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: "بَلى، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي"، فَرَجَعَ إِلى مِسْطَحٍ الذِي كَانَ يُجْرِي عَليْهِ. (صحيح البخاري). وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]. فاعْفُ عن الظالمين، وأَعْرِض عن الجاهلين، ويَسِّر علي المعسرين طلبًا لعفو الله عند لقائه.
4) التجاوز عن المُعسِر والعفو عنه، وعدم مؤاخذته على عدم استطاعته سداد الدّين .. فعليك أن تتجاوز، حتى يتجاوز الله تعالى عنك، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟، قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي»، فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ: هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ (صحيح مسلم).
5) عدم المجاهرة بالذنــب: عَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» (متفق عليه).

من أعظم فوائد العفو:
1) أنه يستوجب محبة الله تعالى، فإذا كنت من العافين عن الناس فإن الله تعالى سيحبك، ويجعلك من أهل الإحسان الذين هم أعلى الناس إيمانًا، كما في قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران من الأية:134].
2) من عفا، عُفِى عنه يوم القيامة، إذ الجزاء من جنس العمل.
3) يُورث التقوى، يقول الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة من الأية:237]، فالعفو عن الناس من الأسباب التي تجعل العبد تقيًّا نقيًّا.
4) يقتضى غفران الله تعالى للذنب، فالعبد إذا عفا وصفح، كان ذلك سببًا في مغفرة الله تعالى له.
5) العفو يزيد الإنسان عزًّا، فالنبي يقول: «وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا» (صحيح مسلم), فكلما عفوت، ازددت عزًّا عند الله تعالى.
6) الأجر العظيم عند الله تعالى، لقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى من الأية:40].
7) العفو يُثْمِر محبة الناس.
8) وهو دليل على كمال الإيمان وحُسن الإسلام.
9) وهو مظهر من مظاهر حُسن الخلق، ودليل على سعة الصدر وحُسن الظن.
10) وطريق نورٍ وهدايةٍ لأهل الإيمان.

نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا بالتحلى بهذا الخُلق العظيم، خُلُق العفو، ونسأله جلَّ في علاه أن يعفو عنا ويغفر لنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المصدر: موقع الكلم الطيب
عاـاـاشق الصمت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-2019, 12:45 PM   #13
عضو مميز
 
الصورة الرمزية عاـاـاشق الصمت
 
تاريخ التسجيل: 1 - 10 - 2011
الدولة: لامكان لاوطن
المشاركات: 11,897
معدل تقييم المستوى: 6071
عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute
افتراضي رد: شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )

(14) المحسن


لا شيء أكمل ولا أجمل من الله، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته، وهو الذي لا يُحَد كماله ولا يوصَف جلاله، ولا يحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه. المُحْسِن سبحانه هو الذي له كمال الحُسن في أسمائه وصفاته وأفعاله، كما قال تعالى في كتابه: {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:8]،
فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته، وهو الذي لا يُحَد كماله ولا يوصَف جلاله، ولا يحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه.

ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، إن أعطى فبفضله ورحمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه، وأحسن إلى المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله.

الدليل على ثبوت الاسم في السُّنَّة النبويـة:
اسم الله المحسن لم يرد في القرآن الكريم ولكنه ورد في السنة النبوية مطلقًا يفيد المدح والثناء على الله بنفسه، فقد ورد عند الطبراني وصححه الألباني من حديث أنس أن رسول الله قال: «إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا؛ فإن الله محسنٌ يحب المحسنين» (السلسلة الصحيحة:469). وكذلك ورد من حديث شداد بن أوس أنه قال: "حفظت من رسول الله اثنتين قال: «إن الله محسنٌ يحب الإحسان، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ثمَّ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»" (رواه الطبراني وصححه الألباني، صحيح الجامع:1824).

معنى الإحســان في اللغة والاصطلاح:
الحُسْنُ نقيض القُبْح، وحَسَّنتُ الشيء تحسِينًا، أي: زيَّنْتُه وأحْسنتُ إليه وبه. والإحسان يدورحول ثلاثة معاني:
1- التزيين.
2- الإنعام على الغيــر كما يُقال: "أحْسَنَ إلى فلان".
3- الإحســان في الفعل وذلك إذا عَلِمَ عِلْمًا حَسنًا، أو عَمِلَ عملاَ حسنًا. وعلى هذا قول أمير المؤمنين علي: "الناسُ أبناء ما يحسنون"، أي: مَنسوبون إلى ما يَعْلمون ويَعْملون من الأفعال الحسنة.

والإحسانُ:
أن يُعطي أكثر مما عليه، ويأخذ أقلَّ مما له. قال المناوي: "الإحسان: إسلامٌ ظاهِر، يقيمه إيمانٌ باطن، يكمله إحسانٌ شهوديِ" (التوقيف على مهمات التعاريف:1:40)، فمنزلة الإحسان أعلى من منزلة الإسلام والإيمان، وتتحقق بأن يستشعر المرء وجود الله سبحانه وتعالى وقُربه منه في جميع أعماله، أو أن يستشعر رؤية الله له وهي منزلة المراقبة.
قال أبو البقاء الكفوي في كتابه (الكليات): "الإحسان: هو فعل (الإنسان) ما ينفع غيره بحيث يصير الغير حسنًا به كإطعام الجائع، أو يصير الفاعل به حسنًا بنفسه" (الكليات:1:60)
ويقول الفيروزآبادي: "الإِحسان من أَفضل منازل العبوديّة؛ لأَنه لبّ الإِيمان ورُوحُه وكمالُه، وجميع المنازل منطويةٌ فيها قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ» (رواه مسلم)" (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز:2:465).

درجـــات الإحســان:
وقد لخَّص الإمام ابن القيم الإحسان في ثلاث درجات:
"1- الإحسان في القصد.
2- والإحسان في الأحوال.
3- والإحسان في الوقت.."،
الدرجة الأولى: الإحسان في القصد بتهذيبه علمًا، وإبرامه عزمًا، وتصفيته حالاً أي: الإحسان في النية، بتنقيتها من الشوائب بألا يكون هناك للنفس أي حظ من عمله، ويجعل قصده رضــا ربِّه فقط، ولن تتمكَّن من إصلاح نيتك إلا بالعلم، الذي يكون من خلال:
1- علمٌ بالله سبحانه وتعالى.
2- علمٌ بصحة الطريـــق.
3- علمٌ بالجزاء عند ربِّ العالمين.

وبعد أن تتعلَّم تلك الأمور، التي تُمَثِل الدافع لك للسير على الدرب والإحسان فيه، يصدق في العزم على القيـــام بالأعمال الصالحة لينال ثوابها، ويهدد نفسه لأن لم تفعل المطلوب ليكونن لها بالمرصــاد.

وعلامة العزيمة الصادقة: النشاط في العمل، أما الفتور فهو دليل على عدم الصدق. وتصفيــة الحــال بتنقية القلب من شوائبه وآفـاته عن طريــق الإكثــار من الاستغفار. فإذا أردت أن تصل إلى هذه المنزلة العظمى عند الله تعالى وتصير من المحسنين: عليك أن تراعي تصفيـــة حالك ونيتك، وإذا وجدت الأمور تتعثر، فاتهم نيتك فإنما يتعثر من لم يُخْلِص.

الدرجة الثانية: الإحسان في الأحوال وهو أن تراعيها غيرةً، وتسترها تظرفًا، وتصححها تحقيقًا يريد بمراعاتها: حفظها وصونها غيرةً عليها أن تحول، فإنها تمرُّ مرَّ السحاب، فإن لم يرع حقوقها حالت، فتغار على قلبك أن يتلف أو يفسد بعد أن وصل إليه الإيمان؛ لأنه لو تقلَّب بعد ما ذاق ربما ينتكس إنتكاسة لا يعود بعدها أبدًا، وتستر أحوالك الإيمانية عن الناس، ولا تريد أن يطلِّع عليها أحدًا سوى الله سبحانه وتعالى. ويصحح أحواله بحيث يتحقق بأنه على الدرب الصحيح؛ لأن الأحوال مواهب وقد تكون من تلبيس إبليس على النفس في بعض الأحيان، كالذي يبكي في الصلاة ويظن أن بكاءه كان من خشية الله، ثمَّ فور إنتهاءه من الصلاة يعود لمعاصيه ولا يراعي نظر الله تعالى إليه، فحينها يعلم أنه كان حال مغرور، أما الحــال الصادق فسيورث صاحبه الخشية.

الدرجة الثالثة: الإحسان في الوقت وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدًا ولا تخلط بهمتك أحدًا، وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدًا.

المعنى: أن تعلق همتك بالحق وحده ولا تعلق همتك بأحدٍ غيره، أي تحافظ على وقتك؛ لأن وقتك هو رأس مالك وستُسأل عنه فتَغيِر أن يضيع هذا الوقت دون الوصول.

معنى الاسم في حق الله تعالى:
قال القرطبي عن اسم الله المُحْسِن: "أن معناه راجعٌ إلى معنى المُفْضِل وذي الفَضل والمنَّان والوهَّاب" (الكتاب الأسنى:2:414).
وقال المُناوي في قوله: إن الله محسنٌ، أي: "الإحسان له وصفٌ لازمٌ، لا يخلو موجودٌ عن إحسانه طَرْفةَ عين، فلا بدَّ لكل مُكوَّن من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد" (فيض القدير:2:264)، فالله سبحانه وتعالى أحسنَ إلى جميع الخلق بنعمة الإيجـاد والإمداد، وأنعم على المؤمنين بنعمة أخرى وهي نعمة الهدايـــة.

والمؤمن يستشعر إحسان الله سبحانه وتعالى به عند ما يخرجه من سجن الشهوات إلى عز الطاعة، ومن سجن الخطايا إلى فرج التوبة، مصداقًا لقوله على لسان نبيه يوسف: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف:100].

أنـواع فضل الله تعالى وإحسانه على الخلق:
وللأقليشي توسعٌ جميل في بيان الجود والفضل والإحسان وأنواعه على الخلق، إذ يقول: وذلك ينحصر في ثلاثة أقسام: 1- قاعدة. 2- وواسطة. 3- ومُتممة.

أما القاعدة: فتشتمل من الإحسان والمن على ثلاث شعب:
1- إخراجه من عدمٍ إلى وجود بمقتضى صفة الكرم والجــود قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1].
2- بعد خلقه تصويره في صورة آدم عليه السلام وهي أحسن الصور، قال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر:64].
3- جَعْلُه إيـاه عاقلاً، لا معتوهًا ولا سفيهًا حتى يمتاز عن سائر الحيوانات قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3].

أما الواسطة فهي للقسمين رابطة، ويشتمل من الإحسان والإنعام والمنِّ على ستِ شُعَب:
1- هدايته إيـــاه للإسلام وهذا أعظم الإحسان والإنعام، وهو المراد بما ذُكِرَ في القرآن من الهدى والنور، والشَّرح للصدور، وغير ذلك من هذا النوع.
2- جَعَله من أمة محمد خير الأنبياء وخير الأمم، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران من الآية:110]، أي: كنتم في الغيب حتى خرجتم إلى الوجود على وفاق العلم.
3- إحسانه إليه بأن حفظ كتابه العظيم حتى يكون مُعبِّرًا عن كلام ربِّه بلسانه، وراغبًا إليه بجنابه وهذا من أعظم إحسانه، كما قال ابن عباس في تفسير قول الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، إنه القرآن.
4- عَلَّمه بعد حفظه من معانيه، ومن شريعة نبيه، ومن حقائق علمه أثرًا ونظرًا وقد قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وأعظم العلم؛ العلم بالقرآن، فكل ما شغلك عن القرآن فهو مشغلة.
5- ما أحسنَ به إليه، وأنعم عليه من: العمل بما عَلِم وهذا هو ثمرة العلم، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
6- إحسانه إليه وتوفيقه حتى يَنْشرَ ما علم في عباده ويكون نور بلاده، يُستضاءُ بسراجه، ويُقْتفَى واضحَ منهاجه.

وأما المتممة:
فهو ما أنعمَ به عليه، وأحسنَ إليه، من إظهار عوارف وإدرار لطائف، شرفَ بها نوعه، وأكمل بها وصفه، ويشتمل على أربع شُعَب:
1- ما أنعم به عليه من: كمال الصورة، واعتدال الخِلقة، وفصاحة اللسان، وسلامة الهيئة من تشوهٍ أو نقص عضوٍ وهذه نعمة من الله عليه ومن لطفه به. 2- ما أنعم به عليه: من انتظام الحال واتساع المال حتى لا يحتاج إلى أحدٍ من الخلق في اكتساب الرزق، ويحتاج إليه غيره، فيعُمهم خيره وهذه نعمةٌ يجب شكرها، إذ ليس كل أحدٍ يُعطاها.
3- ما أنعم به عليه: من عُصبة وعشيرة وهي الرفقة الصالحة التي تأخذ بيده وتحوطه من وراءه وهي مرآة لنفسه؛ فتبصره بعيوبه وتكن عونًا له على الطريق.
4- ما يُنعم به عليه من المرأة الصالحة الموافقة، فتسكن إليها نفسه وقد قال رسول الله: «إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني:1855).
5- ما أنعم عليه من صحة الجسم وفراغ البـال عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (صحيح البخاري).

حظ المؤمن من اسم الله تعالى المُحْسِن:
المنزلة الأولى:
الإحســان مع الله تعالى. يقول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77]، راقب ربَّك الوهاب المنَّان المُنْعِم عليك في كل وقتك، ولا تنس ذلك، والطريق لأن تكون محسنًا مع ربِّكَ يبدأ بـــ:
1- الإخلاص وذلك بأن تضع الآخرة نُصب عينيك، تذكَّر دائمًا أبدًا أن هناك جنَّة ونــار، وأن الموت آتيـــك لا محالة.
2- التوازن بين متطلبات الحيــاة والسير إلى الآخرة فاعطِ كل ذي حقٍ حقه فعليك أن تُحْسِنَ في طلب الحلال، كما أحسنَ إليكَ في الإحلال وعليك أن تعمل في الدنيا للآخرة؛ حتى تبلغ هذا المقام.
3- إتقــان العبـــادة عن أبي ذرٍّ قال: "أوصاني خليلي أنْ أخشى الله كأنِّي أراهُ، فإنْ لم أكن أراه، فإنَّهُ يراني" (جامع العلوم والحكم:4:49)، فتحتاج أن تتعلم الفقه؛ لكي تكون عبادتك على هدي النبي وغيرها من العلوم التي تعينك على الإحسان في عبادتك لله تعالى.
4- المراقبـــة لذلك حينما سُئِل النبي عن الإحسان، قال: "«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»" (رواه مسلم).
5- الشكر لله تعالى فهل جزاء كل تلك النِعَم التي أحسن الله تعالى عليك بها إلا الشكر له سبحانه؟
6- مواجهة المُلِمات بالصبـــر عليها قال تعالى: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:115].
7- مجـــاهدة النفس بكظم الغيظ ومحاربة الشُح وكبح شهوة الانتقـــام، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، فمجاهدة النفس لتحقيق تلك الأمور، من علامات إحســان العبــد.
8- الجهــاد في سبيل الله كما في قول الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

المنزلة الثانيـــة:
الإحســان إلى الخلق :
1- بتعليمهم ما ينفعهم في دينهم، ويكون سببًا في نجاتهم في الدنيــا والآخرة من علوم الكتاب والسُّنَّة وفقه السلف، وإرشادهم إلى طرق الخيرات والقربات، وتحذيرهم مسالك الشر والهلكات، يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].
2- حُسن معاملة الضعفاء منهم كالإحسان إلى اليتيم، يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152].
3- دفع الخصومـة والخلافـــات يقول الله: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]. فأحْسِن تعاملك مع الخلق، بداية من رد السلام إلى آخر ما جاء به الإسلام، ولا تعامل الناس بمعاملاتهم، وإنما عاملهم بما تحب أن يعاملوك به وبما تحب أن يراك الله عليه، وإذا وصلت إلى منزلة الإحسان مع الله ومع الخلق، فأبشِر بخيري الدنيــا والآخرة، فــ{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة من الآية:195]، وأبشِر بالفردوس الأعلى؛ فإنها مثوى المحسنين: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر من الآية:34].

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المحسنين.
عاـاـاشق الصمت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-2019, 12:45 PM   #14
عضو مميز
 
الصورة الرمزية عاـاـاشق الصمت
 
تاريخ التسجيل: 1 - 10 - 2011
الدولة: لامكان لاوطن
المشاركات: 11,897
معدل تقييم المستوى: 6071
عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute عاـاـاشق الصمت has a reputation beyond repute
افتراضي رد: شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )

(15) الوكيل

الله سبحانه وتعالى هو الوكيل الذي توكل بالعالمين خلقًا وتدبيرًا، وهداية وتقديرًا. فهو المتوكل بخلقه إيجادًا وإمدادًا، كما قال تبارك وتعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62]، والوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم، وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فركنوا إليه في جميع أمورهم، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم واستعانوا به حال كسبهم، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

المعنى اللغوي للاسم:
وَكِلَ بالله وتوكَّل عليه واتكل، أي: استسلم له، ويقال: توكَّل بالأمر إذا ضَمِنَ القيام به. ووكَلْت أمري إلى فلان، أي: ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه. ووكل فلانٌ فلانًا: إذًا اسْتَكفاه أَمْرَه، إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزًا عن القيام بأمر نفسه. ووَكَلَ إليه الأمر، أي: سَلَّمهُ، وَوَكَلَهُ إلى رأيه، أي: تركه.

قال الجوهري: "والتوكُّل: إظهار العجز والاعتماد على غيرك، والاسم التُّكلان". وقال الزجاجي: "الوكيل فعيل، من قولك: وكلت أمري إلى فلان وتوكَّل به، أي جعلته يليه دوني وينظر فيه، والوكيل: الكفيل كما في قول الله: {قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف:66]، والكافل، أي: العائل، كما في قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران من الآية:37]، أي: قام على أمورها وكان عائلاً لها".

فمعنى الاسم يدور حول الاستسلام لأمر الله سبحانه وتعالى، والركون إليه وصدق اللُجأ عليه وإليه، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى والاعتصام بهِ، فلا بد للمتوكل أن يستشعر افتقاره وضعفه لله تبارك وتعالى، ولا يرى لنفسه شيئًا، وبذلك يُحفَظ من العُجب.

ورود الاسم في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية:
ورد الاسم مُطلقًا مُعرفًا في قول الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، وورد في عدة مواضع أخرى مقرونًا بمعاني العلو، والعلو يزيد الإطلاق كمالاً على كمال كما ورد في قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام:102].

أما وروده في السُّنَّة النبوية، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}" (صحيح البخاري).

معنى الاسم في حق الله تعالى:
قال الفراء في قوله تعالى: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل من الآية:9]، "أي: كفيلاً بما وعدك"، وقال في قوله تعالى: {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء من الآية: 2]، "أي: كافيًا وربًّا".

وقال ابن جرير في قوله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران من الآية:173]، "أي: يكفينا الله وهو نعم المولى لمن وليه وكفله، وإنما وصف الله تعالى نفسه بذلك؛ لأن الوكيل في كلام العرب هو: المُسْنَد إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، فلما كان القوم الذين وصفهم الله تعالى في هذه الآيات كانوا قد فَوَّضُوا أمرهم إلى الله ووثقوا به وأسندوا ذلك إليه، وصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوكيل الله تعالى لهم"، فمن ذا الذي لجأ إليه وأدبَر عنه؟! فهو سبحانه لا يخذل من لجأ إليه بصدقٍ أبدًا. وقال في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب:3]، "أي: توكَّل يا محمد على الله، وفوِّض أمرك إليه، وثق به في أمورك، وولِّها إياه {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}"، فالله تعالى كافيك وهو حَسْبُكً وناصُرك ووليًا لك ودافعًا عنك، وقال في قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام من الآية:102]، "أي: الله على كل ما خلق من شيء رقيبٌ وحفيظ، يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته".

فيتلخَّص في الوكيل ثلاثة معان:
1- الكفيل. 2- الكافي. 3- الحفيظ.
قال الحليمي: "الوكيل هو الموكَّل والمفوَّض إليه علمًا بأن الخلق والأمر له، لا يملك أحد من دونه شيئًا". وهذا ما ينبغي أن يترسخ في القلوب تجاه ربِّكَ الوكيل جلَّ جلاله.

آثار الإيمان باسم الله تعالى الوكيل:
1- إن الله سبحانه وتعالى هو القائم بأمر الخلائق أجمعين والمتكفِّل برزقهم وإيصاله لهم، والرعاية لمصالحهم، وما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، ويلزم من كونه سبحانه وتعالى وكيلاً، أن يكون حيًا، قويًا، عليمًا، قديرًا، رحيمًا، حكيمًا، جوادًا، كريمًا، يفي بعهده ويصدق خلقه وعده.. إلى غير ذلك من الأوصاف الجليلة اللائقة بكماله وعظمته جلَّ جلاله. قال القرطبي: "فيجبُ على كل مؤمن أن يعلم أن كلَّ ما لا بدَّ له منه، فالله سبحانه هو الوكيل والكفيل المتوكِّل بإيصاله إلى العبد، إما بنفسه فيخلقُ له الشَّبع والرِّي كما يخلق له الهداية في القلوب، أو بواسطة سبب كمَلَك أو غيره يوكَّل به، فالله سبحانه وتعالى يرى عبدهُ ضالاً فيهديهُ، حين يركن بقلبه عليه. لذا فوِّض أمرك له، ثمَّ بعد ذلك تنعَّم بفضله عليه.

2- الفرق بين وكالة الخالق ووكالة المخلوق. فالعبد قد يشترك مع الخالق سبحانه وتعالى في بعض دلالات الأسماء الحسنى؛ كالسمع والبصر والحياة وغيرها من الصفات، وهذا لا يعني التشابه في الصفات لمجرد الاشتراك في الأسماء؛ فأين سمع الإنسان من سمع الرحمن، وأين بصره من بصرهِ سبحانه وتعالى، وأين علمهُ من علمهِ.. وأين التراب من ربِّ الأرباب سبحانه وتعالى؟!

وإذا كان بعض الخلق قد يتوكَّل بغيره من الضعفاء واليتامى والمساكين والأرامل، فلا يعني هذا أنه قد شابه الله تعالى في صفته، فإن هذا المتوكل بأمر غيره هو نفسه محتاجٌ إلى رزق الله ومَعُونته ورحمته وفضله، قال ابن العربي: "فإذا علمتم معنى الوكيل، فلله في ذلك منزلته العليا بأحكامٍ تختص به أربعة: الأول: انفراده بحفظ الخلق. الثاني: انفراده بكفايتهم. الثالث: قدرته وحده على ذلك. الرابع: أن جميع الأمر من خيرٍ وشر، ونفعٍ وضُرٍّ، كل ذلك حادثٌ بيده".

أما العبد فالمنزلة السفلى له وفي ذلك ثلاثةُ أحكام:

الأول: أن يتبرأ من الأمور إليه؛ لتحصل له حقيقة التوحيد، ويرفع عن نفسه شغب مشقة الوجوب، كالرجل الذي يتولى أمر أهله وينفق عليهم؛ فإن الرزق ليس بيده بل الله سبحانه وتعالى هو الرزَّاق، فينبغي أن لا يمنَّ على أهله بإنفاقه عليهم، وإذا سألوه شيئًا عليه أن يطلب منهم أن يسألوا الله تعالى أن يرزقه حتى ينفق عليهم مما رزقه الله.

الثاني: أن لا يستكثر ما يسأل؛ فإن الوكيل غني. ولهذا قيل: "من علامة التوحيد كثرة العيال على بساط التوكُّل".

الثالث: أنك إذا علمت أن وكيلك غنيٌّ وفيٌّ قادرٌ مَلِيٌّ، فأعْرِض عن دنياك وأقبِل على عبادة من يتولاَّك.

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الوكيل:

1- الزهد في الدنيا وما فيها. فلا يركن على أحدٍ سوى الله، ويعلم أنه وحده سبحانه وتعالى الذي يكشف عنه الضُرَّ، وأنت عند ما تُبتلى، هل تهرع إلى الله وتركن بقلبك عليه؟ أم تعتمد على منصبك ومعارفك؟ فإذا ركنت إلى أيٍ من تلك الأمور الدنيوية اعلم أن هناك قدحٌ في إيمانك بهذا الاسم.

2- تحقيق معنى التوكُّل. يقول تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب:3]. ويقول: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:58]، لِمَ تتوكَّل على عبادٍ يموتون ويفنون ولا يقدرون على نفعك أو ضرك؟! توكَّل على الحي الذي لا يموت. وقال سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:123]، فلو كُشِفَ الحجاب ورأينا مآلات الأمور، لرضيَّ كل واحدٍ منا بقدر الله سبحانه وتعالى، فوكِّل له أمرك؛ فإنه يعلم ما لا تعلمه وهو سبحانه وتعالى يُقدِّر لك الخير.. إذًا، كيف نُحقق التوكُّل على الله؟

فوائد التوكُّل وكيفية تحقيقه:
معنى التوكُّل: صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة. وهو الثقة فيما عند الله واليأس مما في أيدي الناس، فلا يعطي ولا يمنع ولا ينفع ولا يضر سوى الله جلَّ وعلا.

ولا يستقيم التوكل بدون الأخذ بالأسباب، يقول ابن القيم: "فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل: عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها" (مدارج السالكين:2:120).

الفرق بين التوكُّل والاتكال:

التوكل المأمور به، هو: الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النجاح لله والثقة بأنه لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، أما إن قعد عن الأسباب ولم يسعى في إتخاذها، فليس هذا من التوكُّل في شيء، وإنما هو اتكالٌ وتواكل حذرنا منه النبي..

عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا»" (متفق عليه).

فهنا يضع الرسول قاعدة جليلة، هي: إن كل ما يؤدي إلى ترك العمل، أو يكون مظنة للاتكال والتواكل فليس من التوكُّل في شيء.. فالاتكال يعني: ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب.

الفرق بين التوكُّل والتفويض.

والتفويض أعمُّ من التوكٌّلِ، يقول صاحب المنازل: "التفويض ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل؛ فإن التوكل بعد وقوع السبب والتفويض قبل وقوعه وبعده وهو عين الاستسلام والتوكل شعبة منه". يقول اين القيم: "يعني أن المفوِّض يتبرأ من الحول والقوة ويفوض الأمر إلى صاحبه من غير أن يقيمه مقام نفسه في مصالحه، بخلاف التوكل فإن الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكل" (مدارج السالكين:2:138).

التوكل والثقة بالله:

يقول ابن القيم: "قال صاحب المنازل: الثقة سواد عين التوكل ونقطة دائرة التفويض وسويداء قلب التسليم، وصدَّر الباب بقوله تعالى لأم موسى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص من الآية:7]، فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى؛ إذ لولا كمال ثقتها بربِّها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وجرياته إلى حيث ينتهي أو يقف..

ومراده: أن الثقة خلاصة التوكل ولبه، كما أن سواد العين أشرف ما في العين، وأشار بأنه نقطة دائرة التفويض إلى أن مدار التوكل عليه وهو في وسطه كحال النقطة من الدائرة، فإن النقطة هي المركز الذي عليه استدارة المحيط ونسبة جهات المحيط إليها نسبة واحدة وكل جزء من أجزاء المحيط مقابل لها، كذلك الثقة هي النقطة التي يدور عليها التفويض" (مدارج السالكين:143:2)، فإذا وثقت في الله تعالى، سينبع التفويض والتوكُّل.

مواطن التوكُّل: فالتوكُّل مطلوب في كل لحظةٍ من حياتك.
لكن هناك مواطن معينة جاء الشرع بالحضِّ عليها، وهي 15 موطن:
1- إن طلبت النصر والفرج، فتوكَّل على الله. قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
2- إذا أعرضت عن أعدائك ورفقاء السوء، فليكن رفيقك التوكُّل. قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء من الآية:81].
3- إذا أعْرَض عنك الخلق، فتوكَّل. قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129]، فلا تضعُف وتتذبذب إذا أعرض الناس عن دعوتك إياهم للخير، بل ثق في الله وتوكَّل عليه.
4- إذا تلوت القرآن أو تُليَّ عليك، فاستَنِدْ على التوكُّل. ثق في إن هذا البيان هو الحق من ربُّك واخضع لحكمه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].
5- إذا طلبت الصُلح والإصلاح بين قومٍ، لا تتوسل إلى ذلك إلا بالتوكُّل. يقول الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال:61].
6- إِذا وصلت قوافل القضاءِ، استقبِلْها بالتَّوكُّل. {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51].
7- إِذا نَصبتِ الأَعداءُ حِبالات المكر، ادخُلْ أَنت فى أَرض التوكُّل. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ} [يونس:71].
8- وإِذا عرفت أَنَّ مرجع الكلّ إِلى الله وتقدير الكلّ منه سبحانه، وطِّنْ نفسك على فَرْش التوكُّل. {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:123].
9- إِذا علمت أنَّ الله هو الواحدُ على الحقيقة، فلا يكن اتِّكالك إِلاَّ عليه. {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد من الآية:30].
10- إِذا عرفت أَنَّ هذه الهداية من عند الله تعالى، فاستقْبِلها بالشُّكر والتَّوكُّل. {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم:12].
11- إِذا خشِيت بأْس أَعداءِ الله، والشيطان الغدّار، لا تلتجئ إِلاَّ بباب العزيز الغفار. {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99].
12- إِن أَردتَ أَن يكون الله وكيلك فى كلّ حال، فتمسَّك بالتَّوكُّل فى كلِّ حالٍ. {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب:3]. 13
- إِن أَردتَ أَن يكون الفردوس الأَعلى منزلك، انزل فى مقام التوكُّل. {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت:59]. 14- إِن شئت النزول محلَّ المحبَّة، اقصد أَولاً طريق التوكُّل. {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران من الآية:159].
15- إِن أَردتَ أَن يكونَ الله تعالى لكَ، وتكون خالصًا لله، فاستقرَّ على تَخْت التوكُّل. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق من الآية:3]، {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل:79].

الدعاء باسم الله الوكيل:

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ، فكأن ذلك ثَقُل على أصحاب النبي فقال لهم قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» (رواه الترمذي وصححه الألباني:2431)، وهو من الأذكار المهجورة التي ينبغي على كل من يؤمن باليوم الآخر ويخشى أهواله أن يُكثِر من ترديده.

ومما ورد من الدعاء بالوصف، قول الرسول: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» (رواه أبو داوود وحسنه الألباني، صحيح الجامع:3388). نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حقيقة التوكُّل عليه، وأن يكون لنا نِعْمَ المولى وَنِعْمَ الوكيل.

المصدر: موقع الكلم الطيب
عاـاـاشق الصمت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-2019, 12:23 AM   #15
المنتديات العامة
 
الصورة الرمزية بسمة امل
 
تاريخ التسجيل: 9 - 12 - 2018
الدولة: قلب صنعاء
المشاركات: 6,602
معدل تقييم المستوى: 110
بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute
افتراضي رد: شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )

ما زلت بحال المطالعة
الف شكر لك اسير
بسمة امل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-2019, 01:06 AM   #16
 
الصورة الرمزية فتاة شقية
 
تاريخ التسجيل: 5 - 10 - 2019
الدولة: بلاد الجن
المشاركات: 1,240
معدل تقييم المستوى: 26
فتاة شقية has a reputation beyond repute فتاة شقية has a reputation beyond repute فتاة شقية has a reputation beyond repute فتاة شقية has a reputation beyond repute
افتراضي رد: شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )

جزاك الله كل خير على طرحك الجميل
__________________
الوطن.. قَلب.. نَبض.. شِريَان.. عُيُون.. نَحَنُ فِدَاه..
فتاة شقية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الشيخ , الأسماء , الحسني , حلمي , شرح , هاوي , وأسرار

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:16 AM

عقارات اليمن


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات اليمن أغلى