منتديات اليمن اغلى

آخر 10 مواضيع : قصيدة الخيل والليل والبيداءُ تعرفني - للمتنبي (الكاتـب : - )           »          يا رسول الله ... تصميمي (الكاتـب : - )           »          سرقنا حبنا سكته! (الكاتـب : - )           »          جُرح الغياب .. بقلمي (الكاتـب : - )           »          وسع وسع ياعم ،تماسيح المنتدى وصلوا ههههههه (الكاتـب : - )           »          ** الفرق بين الشباب والبنات بالعزايم ** (الكاتـب : - )           »          كل من في مقعده …. (الكاتـب : - )           »          اغلى احبابي (الكاتـب : - )           »          ابو شامة (الكاتـب : - )           »          مافي ثقة في ذالزمن. لشاعر أبونعيم ألكحيل (الكاتـب : - )

العودة   منتديات اليمن أغلى YEMEN FORUMS > ::: المنتديـات الأدبيــة ::: > •• القــصص و الـــروايــات
حفظ البيانات؟

التسجيل السريع مُتاح
عزيزي الزائر! سجلاتنا تفيد انك لست عضو لدينا في المنتدى,في حال رغبت بالاِنضمام الى أسرتنا في المنتدى ينبغي عليكم ملئ النموذج التالي !

اسم المستخدم: كلمة المرور: تأكيد كلمة المرور:
البريد الالكتروني: تأكيد البريد:
تاريخ الميلاد:       موافق على شروط المنتدى 

الإهداءات
اليمن أغلى : وفي يوم الجمعة " اللهُم قدراً جَميلاً وخبَراً جميلاً ودعوهً مُستجابة ." اللهُم قرب بيننا وبين دعواتنا التي فوضناها إليك اللهُم الإجابة لكل دُعاء و أمنية ،،' جمعة مباركة ❤

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-03-2023, 12:34 AM   #81
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)

روايه انت لي الحلقه 44 و 45

رواية انت لي
الحلقة الرابعة و الاربعون والخامسه والاربعون
الخيار المستحيل
استقبلنان العم إلياس استقبالا حميما جدا… مليئا بالعناق والقبل… فقد كان غيابنا طويلا وبقي العجوز وحيدا بعيدا عن أخته وابنتها اللتين لم يسبق له فراقهما…
كانت خطتي المبدئية هي أن نأتي جميعا إلى المزرعة فقد تساعد الأجواء هناك على تحسين الأوضاع النفسية لنا…
وإن رفضت رغد البقاء هناك, وهذا ما أتوقعه, كنت سأخذها إلى بيت خالتها وأقضي في المزرعة بضعة أيام…
مخاوفي الأولى كانت في ردود فعل عائلة أم حسام تجاه إصابة رغد, والتي لم تذكر لهم شيئا حتى الآن…
بضع أيام في المزرعة هي كافية لتجديد نشاطي وطرد هموم صدري…
أزور أثناءها شقيقي سامر وأقنعه بالمجيء للعمل معي في المصنع, ونعود نحن الثلاثة إلى منزلنا الكبير…
كان هذا ما أتمنى حصوله وأجهل ما الذي ستؤدي إليه الأقدار مستقبلا…
أروى غاية في البهجة وتكاد تقّبل حتى الأشجار من شدة الشوق والحنين, والخالة لا تقل عنها فرحا…
أما الفتاة الواقفة خلفي فهي تسير بعكازها خطوة للأمام وخطوة للخلف, رافضة دخول المزرعة…
انطلقت أروى تعدو بين الأشجار كالفراشة… ونشرت الخالة بساطا قماشيا على العشب بجانب مدخل المنزل… وجلست عليه ومددت رجليها باسترخاء…
وذهب العم إلياس يقطف بعض ثمار العنب ثم غسلها وجلبها إلى البساط وأشار إلينا:
“تعالوا… تذوقوا”.
الوقت كان ليلا… والنسيم كان عليل جدا والهواء غني بالأوكسجين النقي الذي يبث الحيوية والانتعاش في البدن… وكم نحن بحاجة إليها…
“تعال يا وليد… إنه لذيذ جدا… تفضلي يا آنسة رغد”.
دعانا العم إلياس بسرور إلى وجبة العنب الطازجة…
التفت إلى رغد التي تقف خلفي مترددة وقلت:
“تعالي رغد”.
الإنارة كانت خفيفة منبعثة رئسيا من المصباح المعلق عند مدخل باب المنزل…
لكنها سمحت لي برؤية الاعتراض على وجه رغد.
خاطبتها:
“رغد… ما الأمر؟”
أفصحت:

تعرف… لا أريد المبيت هنا”.
اقتربت منها أكثر حتى أخفض صوتي وأضمن عدم وصوله لمسامع الآخرين…
“أرجوك يا رغد… لا تحرجيني مع العائلة… تحملي قليلا من أجلي”.
قالت:
“لكن…”
ولم تتم فقلت:
“بالله عليك… على الأقل لهذه الليلة… نرتاح من عناء السفر ونقابل كرم المضيفين بحسن الذوق…
لا يمكننا أن نخرج هكذا فجأة دون اعتبار للأدب واللياقة… أنا أرجوك بشدة يا رغد”.
واستجابت رغد لرجائي الملح… وسارت معي حتى حتى جلست على طرف البساط ببعض المشقة… وأقتربت أنا من سلة العنب وأخذت لي ولها شيئا منه…
وكان بالفعل لذيذ جدا…
تبادلت والعم إلياس أحاديث خفيفة متنوعة وشعرت بارتياح شديد قلما أشعر به مع شخص غيره…
والعم كان من الأدب بحيث إنه لم يسأل عن تفاصيل ما أصاب رغد حين رآها بالعكاز بل اكتفى بحمد الله على سلامتها…
قضينا نحو الساعة جالسين على البساط نتناول العنب حتى أتينا على آخره…
سمعت بعد ذلك رغد تهمس لي:
“لا أستطيع الجلوس هكذا طويلا… أصاب الإعياء رجلي”.
قلت:
“حسنا… هل تودين الذهاب إلى الداخل؟”
سألتني:
“ماذا عنك؟”
أجبت:
“أود البقاء هنا فالجو رائع جدا… وقد أبيت الليلة على هذا البساط!”
وابتسمت للتعجب الذي ظهر على وجه الصغيرة ثم نهضت ونهضت هي معي, واستأذنا للدخول إلى المنزل…
ساعدت رغد على صعود العتبات ورافقتها إلى غرفتها ثم توليت حمل الحقائب إلى الداخل وتأكدت من أن كل شيءمهيأ لها, وتركتها لتسترخي…
عدت إلى الخارج واستلقيت على البساط وبدأت أملأ رئتي من الهواء النقي…
أغمضت عيني في استرخاء تام… وكنت أسمع أحاديث العم والخالة المرحة…
وربما من شدة استرخائي غفوة لفترة من الزمن…
صحوت بعد ذلك على أصوات أشخاص يتحدثون,وحين فتحت عيني رأيت العم والخالة وأروى جالسين على مقربة مني وملتفين حول صينية الشواء… ورائحة المشويات تملأ المكان.
قال العم:
“ها قد نهض وليد… نوم العافية… تعال وشاركنا”.
جلست ونظرت إلى الجمر المتقد وقلت:
“آه… أما زال لديكم طاقة بعد السفر!”
رد العم:
“وهل ستنامون دون عشاء؟ اقترب بني”.
وجلست معهم أملأ أنفي بالرائحة الطيبة…
أروى كانت تتولى تقليب المشاوي بهمة… وكانت قد أطلقت شعرها الطويل لنسمات الهواء…
وعندما هب نسيم قوي حمل خصلة منه نحو الجمر فحركت يدي بسرعة لإبعاده وأنا أقول:
“انتبهي”.
لا أعرف إن كان العم لا حظ وجود شحنة بيني وبينها أم لا…
والخالة سرعان ماتدخلت وأعدت الطبق المنشود وبنفسها حملته إلى غرفة رغد, غير أنها عادت به بعد قليل وأخبرتنا أن الفتاة نائمة.
بعد وجبة غنية كهذه قمت أتمشى في المزرعة وأحرك عضلاتي… غبت طويلا ولما عدت صوب المنزل لم أر غير أروى مضطجعة على ذات البساط الذي كنت نائما فوقه… تراقب النجوم…
حينما أحست باقترابي جلست وأخذت تلملم شعرها الذي تعبث به الريح…
اقتربت منها ثم ناديتها وقلت:
“أروى…يجب أن نضع حدا لكل هذا”.
وقفت أروى وهمت بالمغادرة وهي تقول:
“نعم… سنضع حدا”.
*****************
نهضت باكرة جدا… على زقزقة العصافير القوية المتسللة عبر النافذة إلى الغرفة.
فيما بعد فتحت النافذة فتدفقت تيارات باردة من الهواء النقي إلى الداخل… وأطللت من النافذة فرأيت الخضرة تغطي المنظر وتأسر الأعين…
لم أستطع مقاومة هذه الجاذبية… ارتديت عباءتي وسرت بعكازي بحذر… وخرجت من المنزل.
كان صباح رائعا… والشمس بالكاد أرسلت الجيش الأول من أشعتها الذهبية لتغزو السماء.
على مقربة من المنزل وجدت السيدة ليندا تحمل سلة كبيرة وتجمع فيها ما تقطفه من العنب.
حييتها فردت مبتسمة وسألتني عن أحوال فطمأنتها إلى أنني بخير…
ووجدتها فرصة عفوية لأشكرها على وقوفها معي وعنايتها بي أيام أصابتي.
” لا داعي للشكر يابنيتي… نحن عائلة واحدة وجميعنا في خدمة بعضنا البعض”.
كان ردها كريما مثل طبعها… وأشعرني بالخجل من مواقفي السابقة منها بالرغم من أن ندي الحقيقي هو أروى…
” إنك طيبة القلب جدا وأنا لا أعرف كيف أشكرك أو أعتذر منكِ على أي إزعاج تسببت به لك”.
قلت بصدق وعرفان فكررت:
“لا ننتظر الشكر من أبنائنا على رعايتهم”.
عجيب! إنها نفس الجملة التي قالها وليد لي مؤخرا!
ولدى تذكري الجملة تذكرت كيف حملني وليد بالكرسي وصعد بي الدرج ثم نزل دون أن تظهر عليه أي إمارة تعب!
وكذلك تذكرت (لوحاتي) والموقف الأخير بيننا…
آه أنتم تعرفون مسبقا… كم هو طويل وعريض وضخم وقوي ابن عمي الحبيب هذا!
الشيء الذي لا تعرفونه والذي اكتشفته مؤخرا.. هو أن صدره واسع جدا جدا…
يكفي لأن أغوص فيه وأسبح دون أن أصل إلى بر أرسي عنده!
ابتسمت ابتسامة عريضة وأنا أتخيل وليد… ربما اعتقدت السيدة ليندا أنني ابتسم لها مسرورة بجملتها الأخيرة…!
خطوة مبتعدة عنها ومتغلغلة في عمق المزرعة بسرور…
ملأت صدري من الهواء المنعش الذي شعرت به يسري حتى في أطرافي… وكان عابقا بمزيج من رائحة الخضرة والزهور… كم كان هذا رائعا خلابا…
بعد فترة من الزمن.. ظهرت الشقراء أمامي فجأة..
كانت ترتدي ملابس بيتية وتطلق شعرها الطويل للهواء الطلق.. وتسير على العشب حافية القدمين..
اصطدمت نظراتنا ببعضها وتنافرت بسرعة! هممت بالانسحاب بعيدا عنها لكنها فجأة نادتني:
“انتظري”.
ماذا؟! أنا أنتظر؟ ومعكِ أنتِ؟
ألقيت عليها نظرة لا مبالية وهممت بالمغادرة غير أنها اعترضت طريقي…
“ماذا تريدين؟”
سألتها بحنق فأجابت:
“ألا يمكننا التحدث ولو للمرة الأخيرة… كشخصين ناضجين؟”
لم أستسغ مقدمتها هذه وفي الواقع أنا لا أستسيغ منها أي شيء…
قلت بحدة:
“أي حديث بعد؟! بعد الذي فعلته!”
أروى قالت مدافعة:
“أنا لم أفعل شيئا يا رغد… وكلانا يدرك أنه كان حادثا عفويا… ولو كنت أعلم مسبقا بأنك ستتضررين هكذا ما كنت اعترضت طريقك”.
عقبت باستهجان:
“وها أنتِ تعترضين طريقي ثانية…وقد ينزلق العكاز مني وأقع وأصاب من جديد… فهل ستقولين عنه إنه حادث عفوي؟”
ابتعدت أروى عن طريقي فحثثت الخطى قدر الإمكان… مولية عنها…
سمعتها تقول من خلفي:
“لكننا سنضع حدا لكل هذا يا رغد… والحال لن تستمر على هذا النحو”.
لم ألتفت إليها.. فتابعت:
“من الأفضل أن نناقش الأمر بيننا نحن قبل أن نضعه على عاتق وليد”.
توقفت… فاسم وليد هز وجداني.. لكنني لم أستدر إليها.. وسمعتها تتابع:
“وليد لن يتحمل وجودنا معا… ولا يستحق هذا العناء… المكان لا يتسع لكلينا…
وعلى واحدة منا الانسحاب طوعا”.
أثارتني عبارتها الأخيرة أيمّا إثارة… وأرغمتني على الالتفات إليها وأنا أحبس أنفاسي من الذهول…
تابعت هي:
“أجل يا رغد… على إحدانا الانسحاب من دائرة وليد… وتركه يعيش بسلام مع الأخرى”.
ازداد اتساع حدقتي عيني وتجمع الهواء الفاسد في رئتي فاضطررت إلى زفره بقوة…
أروى سارت مقتربة مني… حتى صارت أمامي وهي محملقة في وجهي…
قالت:
“إحدانا يجب أن تضحي من أجل راحة وليد…”
لازلت متسمرة على وضعي… لا أكاد أصدق ما أسمع…
تغيرت نبرة أروى إلى الحزن.. وتابعت:
“رغد.. هل تفهمين ما أعنيه؟”
أطرقت برأسي كلا… كلا لا أريد ان أفهم.. كلا لا أريد أن أسمع المزيد.. لكن أروى قالت:
“بل تفهمين… البارحة وليد لم ينم مطلقا… راقبته قبل نومي ورأيته يحوم في المزرعة بتشتت… وعندما نهضت فجرا وجدته لا يزال في الخارج شاردا لحد الغيبوبة…
إنه لا ينام منذ أيام… أوضاعنا تشغل باله لأبعد الحدود… إنه مهموم جدا ويعاني الأمرين بسببنا…
وأنا أريد أن نضع نهاية لهذا… هل فهمت؟”
كان صوت أروى يخترق أذني بعنف… وقلبي يتقطع وأنا أسمع منها كلاما كهذا لأول مرة…
قالت:
“أعتقد… أن أمر وليد يهمك كما يهمني.. أليس كذلك؟”
لم أجب فكررت السؤال:
“أليس كذلك يا رغد؟”
قلت أخيرا:
“بلى.. قطعا”.
أروى قالت بنبرة أشد حزنا:
“يجب أن تضحي إحدانا من أجل راحته… إنه يستحق التضحية”.
نظرت إليها بعمق لم يسبق لي أن نظرت إليها بمثله… بجدية لم يسبق أن علت نظراتي إليها… وباهتمام لم يسبق أن أوليتها لها من قبل…
وكانت تبادلني النظرات…
ولم أشعر إلا بدمعة تتجمع في مقلتي ثم تسيل حارقة على خدي…
خرجت الجملة من حنجرتي واهية مذعورة:
“تقصدينني أنا؟؟”
لم تتكلم أروى.. فقلت وأنا أحرك رأسي رفضا:
“مستحيل…”
فإذا بها تقول:
“صدقيني… لقد وصلنا إلى مرحلة لا يمكن أن نستمر نحن الثلاثة معا.. مطلقا”
أخذت شهيقا باكية وقلت:
“لكن… لكنه الوصي علي… لا يمكنني الاستغناء عنه.. إنه كافلي”.
قالت:
“وهو زوجي أيضا”.
وخزتني جملتها وقرصت قلبي… فقلت رافضة:
“أنت تعبثين بي… تتلاعبين بمشاعري”.
أروى قالت:
“إنها الحقيقة يا رغد وأنت تدركينها.. لكنك تخدعين نفسك… انظري إلى حال وليد بيننا … هل يعجبك؟ هل يرضيك أن يعاني كل هذا التشتت؟ هل ترضين له.. هذه المرارة”.
وتخيلت صورة وليد وهو يتشاجر معي ليلة حفلة العشاء… ويقول لي إنه تعب من تقلبات مزاجي.. ويطلب مني تركه يستريح قليلا… وشعرت بسكين قوية تمزق قلبي…
طأطأت رأسي إلى الأرض فهوت دموعي مبللة العشب…
آه يا وليد… هل أنت تعاني بسببي أنا؟ هل أنا سبب تعكير مزاجك؟؟ هل وجودي معك هو خطأ كبير علي تصحيحه؟
لكن.. ماذا عني أنا؟؟
أنا لا أستطيع العيش بدونك.. إنك الهواء الذي أتنفسه وإن انقطعت عني.. فسأموت فورا..
“رغد”.
خاطبتني الشقراء فرفعت بصري إليها ولم أرها من غزارة الدموع…
“رغد.. يجب أن نناقش الأمر.. يجب ألا نستمر في هذه الدوامة التي ستقضي على وليد أولا.. إن كنا نكترث لأمره بالفعل..فيجب أن نتصرف بإثار.. لا بأنانية.. على إحدانا أن تخلي الساحة..”
عصرت عيني لأزيح الدموع عنها ثم قلت بصوت حزين:
“لماذا لا تكون …أنت؟”
أروى تنهدت ثم قالت:
“أنا.. مستعدة لأن أفعل ذلك من أجل وليد.. أحبه كثيرا وسأضحي بمشاعري لإراحته.. صدقيني أنا أعني ما أقول.. لكن..”
قلت:
“لكن ماذا؟”
أروى نظرت إلى الأشجار من حولها.. ثم إلى السماء.. ثم عادت إلي..
“وليد.. متعلق جدا بعمله.. لقد.. كان حلم حياته أن يدير شركة أو مصنعا, كما كان والده رحمه الله..
تعرفين أن وليد متخرج من السجن.. ولا يحمل شهادة دراسية غير الثانوية…
لم يرحب أحد به للعمل عنده.. وبالكاد وجد عملا كفلاح بسيط في مزرعتنا لقاء المأوى والطعام.. وليد عانى كثيرا وعاش فترة بائسة جدا العام الماضي..
ربما لم تشعروا بها كما شعرت بها أنا… وأنا, وأنت كذلك.. كلانا لانريد له أن يعود لذلك البؤس من جديد.. أليس كذلك؟؟”
هززت رأسي ثم هتفت:
“كفى”
واستدرت أريد الهروب بعيدا عن صورة أوروى وكلامها… لكنها تابعت وهي تعلي صوتها:
“إذا كنت تحبين وليد فعلا فابتعدي عنه… لا تعيديه إلى البؤس يا رغد”.
تابعت طريقي بأسرع ما أمكنني… ولحقتني عبارتها:
“فكري في الأمر مليا… من أجل وليد”.
كفى… كفى… كفى…
كنت أسير وأحرك رأسي محاولة نفضه عن كل ما علق به من كلام أروى…
عندما وصلت إلى غرفتي اندفعت بسرعة أكبر نحو سريري فتعثرت ووقعت قبل أن أصله…
وعلى الأرض رميت برأسي ونثرت دموعي وأنا أكرر:
“كلا… كلا… كلا…”
وعبثا حاولت طرد كلامها من رأسي… غدا كالسم… يسري في عروقي كلها ويشل تفكيري وحركتي ويعميني عن رؤية غير السواد…
**********************
لم أكن نشيطا هذا اليوم… فقد استيقضت عند الظهيرة بعد نوم سطحي ساعات النهار…
تفقدت الآخرين فوجدت العم إلياس في الساحة الأمامية للمنزل مشغولا بتنظيف الصناديق الخشبية المستخدمة في جمع الثمار مما علق بها من بقايا ثمار وأتربة.
هذا الرجل لا يكف عن العمل! ورغم أننا وظفنا مجموعة من العمال للعناية بالمزرعة لساعات معينة من النهار, غير أنه ما فتىء يستخدم ساعديه وبهمة كما في السابق.
بعد حوار بسيط ساعدته على تنظيف الصناديق ثم ترتيبها فوق بعضها البعض, لعل النشاط يدب في بدني النهك..
وحالما فرغنا من الأمر فاجأني العم بهذه الجملة…
“بني… أريد أن نتحدث بشأنك أنت وأروى”.
أدركت من خلال النظر إلى عينيه أنه صار على علم بما حصل مؤخرا… التزمت جانب الصمت
فقال مستدرجا:
“أريد أن أسمع منك ما حكاية عمار عاطف؟”
شعرت باستياء.. فقد وصل الموضوع الآن إلى العم.. وصار موقفي محرجا جدا..
تبا لك يا عمار.. قتلتك منذ 9 سنين وحتى الآن لم أتخلص منكَ؟؟
أجبت أخيرا:
“هل أخبرتك أروى؟”
قال:
“إنهما لا تخفيان عني شيئا يا وليد”.
وظهر شيء من القلق على ملامح العجوز.. مم أنت قلق يا عمّي؟؟ وهل اهتزت ثقتك بي أنت أيضا؟؟ أنا لا أتحمل خسارة الإنسان الأول الذي قدم لي الاحترام والثقة والمعوتة وفتح لي باب قلبه وبيته بينما كل الأبواب موصدة في وجهي.. بعد خروجي من السجن..
قلت مدافعا:
“عمّاه.. أرجوك صدقني.. أنا لم أقصد أن أخفي عليكم حقيقة أنني قاتل ابن أخ نديم رحمه الله”.
وبدا الاهتمام الشديد على وجه العم, وأصغى بكل جوارحه…
فتابعت:
“حتى نديم ذاته لم يعرف هذه الحقيقة. لقد كان صديقا وأبا لي في السجن وأحببته كثيرا…
وحضوري إليكم وارتباطي بكم كان بدافع الوفاء له.. لم أجد منلسبة لكشف هذا ولم أعتقد أن الأمر سيسبب كل هذا التعقيد”؟
العم أظهر تعبيرات التفهم التي أراحتني بعض الشيء ثم قال:
“حسنا.. ربما لم تكن هناك مناسبة لذكره مسبقا, أما الآن وقد ذكر.. فاعذر فضولنا لنعرف لماذا قتلته أو على الأقل.. لماذا لا تريد أن تفصح عن السبب”.
رمقت العم بنظرة رجاء… اعفني يا عم من من هذا… أتوسل إليك… لكن نظراته كانت تنم عن الإصرار.. أشحت بوجهي بعيدا عن عينيه.. وقلت:
“لا أسطيع”.
العم رفع يديه إلى كتفي وقال:
“وليد.. انظر إلي”.
بتردد أعددت عيني إلى عينيه.. وحملقنا في بعضنا البعض لفترة..
بعدها أبعد العم يديه وقال:
“كما تشاء”.
ثم ابتعد عني… ناديته برجاء:
“عمّاه..”
وحين نظر إلي قلت:
“أرجوك.. لاتتخذ مني موقفا بسبب هذا..”
العم ابتسم وقال:
“لا عليك يا بني”.
جملته طمأنتني فقلت:
“أسبابى قهرية”.
قال:
“عرفت ذلك. إنك أنبل من أن تقتل شخصا لأسباب أصغر”.
تنهدت باطمئنان وقلت:
“آه.. أشكرك ياعمي… أرحتني”.
العم إلياس ابتسم وقال:
“الأهم أن نريح الفتاة التي تراقبك من النافذة خلسة!”
وعندما التفت إلى ناحية المنزل لمحت أروى تقف عند النافذة وتنظر إلي…
ذهبنا بعد ذلك أنا والعم لتأدية الصلاة وعندما عدنا كانت مائدة الطعام معدة لي وللعم في غرفة الطعام, وللسيدات في المطبخ كما جرت العادة. أطللت على المطبخ برهة وكما هو متوقع لم أجد رغد. سألت عنها فأخبرتني الخالة أنها دعتها للمائدة غير أنها اعتذرت عن المشاركة.
أردت أن أتفقد الصغيرة بنفسي.. ولم أكن قد رأيتها منذ البارحة.. وأنا أعرف أنها منزعجة من النزول في المزرعة…
طرقت باب غرفتها فأذنت لي بالدخول.. سألتها عن أحوالها فطمأنتني إلى أنها بخير.. ولكنني أنا وليد أعرف متى تكون صغيرتي بخير!
“ما بك يا رغد؟”
سألتها بقلق فردت مباشرة:
“لا شيء”
قلت مشككا:
“متأكدة؟”
أجابت:
“طبعا!”
نظرت إلى عينيها غير مقتنع وقلت:
“لا تخفي عني شيئا يا رغد”.
وما كدت أنهي جملتي حتى فاضت دموع حارة كانت مختبئة في عينيها…
“رغد!”
بسرعة مسحت رغد دموعها وتظاهرت بالتماسك وادعت:
“أنا بخير”.
قلت محتجا:
” وهذه الدموع؟”
قالت زاعمة:
“فقط.. مشتاقة إلى خالتي”.
لا يمكنك خداعي يا رغد… هناك ما تخفينه ولا ترغبين بالبوح به…
اقتربت منها وقلت:
“تعرفين أنني سآخذك إليها اليوم.. فلماذا الدموع؟”
رغد غيرت تعبيرات وجهها محاولة إظهار المرح وابتسمت وقالت:
” متى نذهب؟”
أجبت مجاريا:
“الخامسة ننطلق بعون الله”.
فقالت:
“بعون الله”.
ثم ابعدت عينيها عني لئلا أقرأ المزيد… لم أشأ إزعاجها فتجاهلت دموعها وقلت:
“حسنا.. سأطلب من الخالة جلب وجبتك”.
وهممت بالانصراف غير أنها قالت:
“كلا شكرا. لا أشعر بالجوع الآن”.
قلت:
“هل تناولت شيئا في الصباح”.
ولم ترد.
قلت مستاءً:
“لم تأكلي شيئا مذ غادرنا المنزل؟”
قالت:
“بلى.. عنقود العنب”.
قلت مستاءً:
“كلا… رجاء لاتتهاوني في ذلك.. أم أنك لم تتعظي مما حصل تلك الجمعة؟ لا يتحمل جسمك النحيل الجوع”.
فرددت رغد مبررة:
“لكني لا أحس بالجوع الآن”.
قلت مقاطعا:
“حتى وإن.. لن أثق بإحساسك بعد الذي حصل. سأجلب غذاءك بنفسي”.
قالت معترضة:
قلت لك لا أشتهي شيئا وليد أرجوك! أنا لست طفلة”.
أحقا!
أتظنين نفسك لست طفلة؟؟
أو تعتقدين أن الأعوام التسعة التي أضيفت إلى عمر طفولتك التي فارقتك عليها… زادتك في نظري كبرا ونضوجا؟؟
بل أنتِ طفلتي التي مهما دارت بها رحى السنين ستظل في عيني صغيرة لا بد لي من العناية بها..
لم أشأ وقتها أن أضغط عليها أو أحرجها.. خصوصا وأنا أشعر بأن هناك ما يضايقها..
فقلت:
“حسنا.. لكن يجب أن تأكلي شيئا قبل موعد المغادرة..اتفقنا؟”
فأجابت بملل:
“حاضر”.
أخفضت صوتي وجعلته أقرب إلى الهمس العطوف وأضفت:
“وإذا كان هناك أي شي يضايقك.. وأحسست بالحاجة لإخباري.. فلا تترددي..”
نظرت إلي رغد نظرة مطولة ثم قالت:
“بالتأكيد”.
وبالتأكيد هذه خرجت من صدرها متشحة بحزن عميق ضاعف مخاوفي..
استأذنتها بالانصراف.. وحالما بلغت الباب سمعتها تقول فجأة:
“وليد.. سامحني!”
أي تأثير تتوقعون أن جملتها هذه أوقعت على نفسي؟؟
ماذا جد عليك اليوم يا رغد؟؟
صحيح أنني اعتدت على تقلباتها… وانفعالاتها المتفاوتة… كونها تغضب وترضى وتفرح وتحزن بسرعة… ولا يتوقع المرء موقفها التالي, غير أن حالتها هذه الساعة جعلت قلبي ينقبض ويتوقع أزمة مقبلة..
لطفك يا رب..
****************
كل الساعات الماضية وأنا أفكر فيما قالته الشقراء… وأشعر بقلبي ينعصر.
لا شك أنها محقة فيما قالت وأن وليد بسبب وجودي في حياته وتوليه مسؤوليتي العظمى.. مع وجود الخلافات المستمرة بيني وبين الشقراء… لا شك أنه يضغط على نفسه كثيرا ويعاني..
طوال الوقت وأنا أتصرف بأنانية ولم أفكر به.. بما يشعر وبما يثقل صدره ويرهق كاهله.. جعلته يغير ظروف حياته لتناسبني أنا.. وحملته الكثير.. الكثير..
هذه الساعة أنا أشعر بالذنب وبالخجل من نفسي.. والغضب عليها.. آه يا وليد قلبي… هل ستسامحني؟؟
فكرت في أنني يجب أن أختفي من حياته وأخلي طرفه من المسؤولية علي.. حتى يرتاح.. ويهنأ بحياته.. لكن الفكرة ما أن ولدت في رأسي حتى وأدها قلبي بقسوة.. وأرسل رفاتها إلى الجحيم..
أنا أبتعد عن وليد؟؟
مستحيل! مستحيل… لا أستطيع.. إنه الروح التي تحركني والأرض التي تحملني والدنيا التي تحويني..
أحبه وأريد أن أبقى ولو اسما منقوشا على جدار يمر به كل يوم..
أحبه أكثر من أن أستطيع التخلي عنه.. أو حتى تخيل العيش بدونه..
عند الخامسة أتى وليد لحمل حقيبة سفري.. وتبعته إلى الخارج.. كان يسير وأسير على ظله الطويل.. شاعرة برغبة مجنونة بأن أرتمي عليه..
وصلنا إلى السيارة وأدخل وليد الحقيبة فيها.. وفتحت أنا الباب الخلفي لكي أجلس وأسلمه العكاز ليضعه مع الحقيبة..
وليد قال وهو يفتح باب المقعد الأمامي المجاور لمقعد السائق:
“اركبي هنا يا رغد”.
نظرت إليه مستغربة.. فقد اعتدت أن أجلس خلفه… وهذا الموضع صار من نصيب الشقراء الدخيلة…
قال وليد معللا:
” فالمكان أوسع وأكثر إراحة لرجلك”.
وكانت هذه السيارة أهداها سامر لوليد قبل أشهر والتي اصطدمنا فيها بعمود الإنارة في ذلك اليوم الممطر.. وهي أصغر حجما من سيارة وليد الجديدة التي يستخدمها في المدينة الساحلية..
أذعنت للأمر ولما جلست تناول هو عكازي ووضعه على القاعد الخلفية, ثم أقبل وجلس خلف المقود وأدخل يده في جيبه وأخرج هاتفه ووضعه على المسند, وتفقد جيبه الآخر ثم التفت إلي وقال:
“انتظريني رغد… نسيت شيئا.. سأعود حالا”.
وغادر السيارة عائدا أدراجه إلى المنزل…
*****************
انتبهت إلى أنني لم أحمل محفظتي معي.. وكنت قد تركتها على المنضدة في غرفتي منذ البارحة.. وقد حملت فيه مبلغا ماليا لأعطيه لرغد لتنفق منه أثناء إقامتها في بيت خالتها…
تركت رغد في السيارة وذهبت لإحضار المحفظة.. وفيما أنا في الغرفة أتتني أروى..
كانت تتحاشاني نهائيا منذ قدومنا.. عدا عن خصامها لي منذ أيام..
وكانت أخر مرة تحدثنا فيها ولو قليلا هي ليلة حفلة عشاء رغد.. والتي لم تدع لي المجال لأي حديث معها بعدها… وبدوري لم أتعمد ملاحقتها أو الضغط عليها.. أردت أن نأخذ هدنة ليومين أو ثلاثة.. نتنفس الصعداء ونسترخي في المزرعة.. ثم نعود لمناقشة أمورنا من جديد…
عندما رأيتها وقفت برهة ولم أتكلم..
“إذن.. ذاهبان الآن؟”
بادرت هي بالسؤال فأجبت:
“نعم”.
ظهر عليها التوتر ثم قالت:
“وهل ستمكث هناك؟”
أجبت:
“سأبقى لبعض الوقت, ثم أذهب إلى شقيقي..”
سألت:
“ومتى ستعود؟”
أجبت:
“غدا مساء على الأرجح.. أريد قضاء بعض الوقت مع شقيقي فنحن لم نلتق منذ فترة”.
ظهر مزيد من التوتر على وجه أروى..
سألتها:
“أهناك شيء؟”
سارت أروى نحوي حتى صارت أمامي..
قالت:
“وليد أنا… أنا…”
ولم تتم إنها مترددة.
“ما الأمر؟”
تشجعت قليلا وقالت:
“أنا.. أعتقد أنك لا يمكن أن تقتل شخصا دون سبب قوي جدا..”
وصمتت..
أدهشني كلامها بادئ ذي بدء… فأنا لم أتوقع أن يبدأ الحديث بيننا بهذا الموضوع بالذات بين كل المواضيع العالقة, والأكثر أهمية.. لكن الواضح أنه أول ما يشغل تفكير أروى..
تابعت:
“أخبرني خالي.. بأن أبي رحمه الله.. كان يقول عن عمار إنه شخصا سيئا..
وأن عمي عاطف رحمه الله قد أخفق في تربيته.. وأنه أي أبي.. كان يشعر بالعر منه”.
حبست نفسي لئلا أتفوه بسيل منجرف من الشتائم..سئ فقط؟ أنت لا تعرفين من كان ابن عمك الذي تتحرقين شوقا لمعرفة سبب قتلي إياه.. وكأنه ضحية بريئة..
تابعت:
“حسنا.. أنا لن أسألك عن السبب ثانية.. واخف عني ما تريد إخفاءه بالنسبة لموضوع عمار… لكننا يجب أن نتناقش بموضوع رغد”.
أثارني ذكر رغد.. فقلت بلهفة:
“رغد؟”
أروى أكدت:
“نعم رغد… الوقت غير مناسب الآن..”
أقلقتني جملتها في وقت كنت أنا فيه قلق ما يكفي ويزيد… خصوصا مع حالة رغد الجديدة اليوم.. وخطر ببالي أنهما – أي رغد وأروى- ربما تشاجرتا معا من جديد..
فعدت أسأل:
“ماذا عن رغد؟”
ألقت علي أروى نظرة قوية التعبير ثم أجابت:
“الحديث يطول.. وأنت على وشك المغادرة”.
فنظرت إلى ساعة يدي ثم قلت مستسلما:
“حسنا.. عندما أعود غدا.. نتحدث”.
وفي رأسي فكرة تقليص فترة الهدنة, بما أن أروى قد بادرت بالحديث معي..
أروى أخذت تحرك رأسها اعتراضا ثم إذا بها تقول:
“أرجوك أن.. تبقى مع شقيقك بضعة أيام”.
فوجئت بطلبها.. الذي جاء عكس استنتاجاتي.. ولما رأت تعبيرات الدهشة على وجهي قالت مبررة:

يتبع
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-03-2023, 01:33 AM   #82
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)

روايه انت لي الحلقه 46

رواية انت لي
الحلقة السادسة و الاربعون
عد إلـــــيّ
انقضت فترة العزاء وقد شاركت في التعزية مع بقية أفراد عائلة خالتي, وعندما جاء دوري ووقفت أمام الشقراء لأواسيها لم أستطع مصافحتها بسبب يدي المصابة واكتفيت بعبارة مخنوقة خرجت من فمي ببطء.
والشقراء بدورها ردت بشكل عابر دون أن ترفع نظرها إلي.. لكن الحزن جليا على وجهها.
السيدة ليندا كانت طيبة وقد أحسنت معاملتي وسهرت إلى جانبي في المستشفى ورعتني بكل مودة ولطف… رحمها الله… وغفر خطاياها…
متى سيحين أجلي أنا أيضا؟؟…
أنتظر الموت.. ليأخذني كما أخذ أحبابي… ويخرجني من شقايا الدنايا وما فيها…
كنت أعرف أن وليد موجود في القسم الآخر من قاعة التعازي.. وكنت أعرف أنه أبعد ما يكون عن التفكير بي في هذه الفترة.. لكنني كنت في شوق منجرف لرؤيته ولو لدقيقة واحدة… ولو لنظرة بعيدة عاجلة… أعانق فيها عينيه ولو لآخر مرة في حياتي…
ولخيبة الأمل وتحالف الأقدار ضدي, عدنا إلى المنزل دون أن ألتقي به ولا حتى صدفة..
ومرت الأيام… ونخر الشوق عظامي.. وأتلف الحنين ذهني…
ولم أعد بقادرة على الانتظار يوما آخر.. كيف… وأنا أعرف أن ما يفصلني عنه هي أميال قليلة لا أكثر…؟؟ وأن هو لم يأت إلي… فسأذهب أنا إليه… فقط لألقي نظرة…
“هل أنت مجنونة!؟”
قالت نهلة معترضة على فكرتي وليدة اللحظة.. فقلت:
“نعم مجنونة.. لكني أريد أن أراه بأي شكل يا نهلة..أكاد أختنق.. لا أحد يحس بي هنا”.
قالت:
“تخيلي كم سيكون وضعك حرجا ومدعاة للسخرية عندما تذهبين فجأة إلى المزرعة الآن… هيا رغد.. تخلي عن هذه الفكرة السخيفة… توفيت أم زوجته قبل أيام وأنت تفكرين في هذا؟؟”
قلت:
“سألقي عليه التحية وأعتذر منه وأعود… حتى لو لم يرد علي… المهم أن تكتحل عيناي برؤيته… ويبرد صدري بتقديم الاعتذار…”
فقالت:
“ماذا سيقول عنك يا رغد؟؟ هو في محنة عظيمة وأنت تذهبين لتقديم الاعتذار! سيستحقر موقفك… ليس هذه وقته.. انتظري أسبوعين على الأقل”.
هتفت:
“لا أقوى على الانتظار… ألا تفهمين؟؟ أنتِ لا تشعرين بالنار المضرمة في صدري…”
أشاحت نهلة بوجهها عني وقالت:
“لقد حذرتك… افعلي ما تشائين”.
وغادرت المكان…
خرجت بعد ذلك إلى الحديقة…طلبا لبعض الهواء النقي… والتقيت بحسام صدفة وهو مقبل نحو المنزل… فلمعت الفكرة في بالي كمصباح قوي أعشى عيني عن رؤية ما هو أعمق من ذلك…
“مرحبا حسام”.
حييته فرد مبتسما:
“مرحبا رغد.. ماذا تفعلين هنا؟؟ تدربين رجلك على المشي؟؟”
قلت وآمالي تتعلق به:
“حسام.. هلا أسديت إلي معروفا؟”
قال وعلى وجهه الاستغراب:
“بكل سرور!”
فقلت بلهفة:
“أريدك أن.. أن تصطحبني في مشوار..”
فسأل:
“إلى أين؟”
ازدردت ريقي وقلت:
“إلى… مزرعة أروى”.
سأل متعجبا:
“مزرعة أروى؟؟”
“نعم.. أرجوك”.
ففكر قليلا ثم سأل:
“لماذا؟؟”
ترددت في الإجابة.. عرفت أنني لو قلت من أجل مقابلة وليد فإنه لن يوافق.. فقلت:
“سأتفقد أحوالهم.. وألقي التحية”.
وبدا مبررا معقولا بعد عدة أيام على وفاة السيدة ليندا.. وسألني إن كنت قد أعلمت خالتي بهذا فأقنعته بأن الأمر لا يستدعي… وبعد تردد قصير وافق على اصطحابي, وخرجنا مباشرة…
حين بلغنا المزرعة لم يكن وليد موجودا وأخبرنا العجوز والذي كان يجلس كعادته قرب باب المنزل بأن وليد قد ذهب في مشوار وسيعود قريبا.. ودعانا للدخول لكننا آثرنا البقاء في الخارج وانتظاره.. وذهب العجوز لاستدعاء الشقراء فعلاني التوتر.. أنا لم آت من أجلها كما أنها لا تنتظر مني زيارتها.. لكني وضعت نفسي في هذا الموقف وعلي التصرف الآن..
أبدى حسام إعجابه بالمزرعة وراح يتحدث عن انبهاره بما يرى غير أنني لم أكن مركزة السمع معه.. بل في انتظار لحظة ظهور الشقراء..
وأخيرا ظهرت…
ملفوفة في السواد الحزين, كما هي حالي.. وكأن عدوى اليُتم والبؤس قد انتقلت مني إليها…
وقد اعتدت في الماضي رؤيتها ملونة بشتى ألوان قوس قزح.. مثل سرب من الفراشات أو إكليل من الزهور…
عندما اقتربت زممت شفتي ترددا ثم ألقيت عليها التحية وسألتها عن أحوالها.. وأنا متأكدة من أنها تدرك أنني لم أكن لأقلق على أحوالها أو أترث لها.. ولا بد أنها تدرك أن سبب حضوري هو… وليد…
ساعد وجود حسام في تلطيف الجو.. وتشتيت الكآبة وصرف أذهاننا إلى الحديث عن المزرعة وشؤونها..
ذهبت الشقراء لإعداد القهوة فوجدتها فرصة للاسترخاء من عناء الموقف المصطنع.. وبقي حسام والعجوز يتحدثان أحاديث عادية… أما أنا فعيناي ظلتا ترقبان البوابة إلى أن رأيت أخيرا سيارة تقف عندها ومنها يخرج مجموعة من الرجال… يقودهم الرجل الطويل العريض.. بهي الطلعة قوي القسمات ثاقب النظرات.. مضرم ناري وحارق جفوني وسالب عقلي وشاغل تفكيري.. حبيبي الجافي.. وليد قلبي..
الأرض لم تكن أرضا والسماء لم تكن سماء… حين عانقت عيناي عينيه.. والتحمت نظراتي بنظراته..
آه.. كيف لي أن أصف لكم؟؟
لحظتها خلا الكون من كل الخلائق… سوانا… لا وجود للأرض ولا السماء… ولا النور ولا الهواء… ولا الجماد ولا الأحياء… فقط… أنا وهو… وعيون أربعة متشابكة متلاحمة… ذائبة في بحور بعضها البعض… أيما ذوبان…
وليد قلبي… آه… كم اشتقت إليك… لو لا إعاقتي… لربما… ركضت إليه بجنون وغطست في حضنه الواسع…
اقترب وليد يتقدم بقية الرجال فوقفنا جميعا… ورأيت الدهشة تنبثق في وجهه وهو يحط ببصره الهابط من العلا علي وعلى حسام..
بادر حسام بإلقاء التحية فرد وليد دون أن يحاول إخفاء عجبه.. ودوى صوته في كهف أذني فتطايرت خفافيش حسي تلتقط وتحتضن ذبذبات صوته وتخبئها في أعماق الكهف… ككنز من الذهب…
بعد التحيات السريعة استأذن وليد وسار مع الرجال إلى قلب المزرعة ولحق العجوز بهم… ولحقت بهم عيناي ركضا… وهوَتا متعثرتين لهفة عند مفترق الطرق…
وبعد قليل عاد وليد فتسابقتا لاحتضانه بسرعة… تكاد الواحدة تفقأ الآخرى… لتنفرد بالحبيب الغائب… وتذوب في أعماق صدره…
وليد كان وجهه محمرا ويعلوه الاستياء فوق التعجب.. انغمست في ترجمة تعبيرات وجهه وطلاسم عينيه… فتهت… وظللت طريقي… وفقدت أي قدرة لي على النطق والتعبير.. وقفت أشبه بشجيرة ظئيلة لا جذع لها تمد أغصانها محاولة تسلق الشجرة الضخمة الواقفة أمامها.. بكل شموخ…
لاحظ حسام صمتي وتوتري فتولى الكلام:
“جئنا نلقي التحية نسأل عن الأخبار”.
ولم يتحدث وليد.. فقال حسام متظاهرا بالمرح:
“ألن تدعونا للجلوس؟”
فتكلم وليد أخيرا قائلا:
“أنتما بمفردكما؟”
فأجاب حسام بعفوية:
“نعم”.
وازداد الاستياء على وجه وليد… ثم قال:
“منذ متى وأنتم هنا؟”
فرد حسام مستغربا:
“منذ دقائق.. ولكن.. هل يزعجكم حضورنا؟”
قال وليد:
“أنا آسف ولكن لدي ما أقوم به الآن.. إنهم في انتظاري”.
مشيرا إلى قلب المزرعة..
كل هذا وعيناي ملتحمتين بوجهه منذ أن وقعتا عليه أول وصوله… لكن..
ماذا يا وليد؟ ألن تتحدث معي.. وتسأل عن أحوالي..؟؟ إنك حتى لا تنظر إلي.. أنا هنا وليد هل تراني؟؟ هل تميزني؟؟ لماذا كل هذا الجفاء؟؟ أرجوك.. التفت إلي لحظة.. دع عيني تخبرانك كم اشتقت إليك.. دعهما تعاتبانك على جفاك.. أو تعتذران لأرضائك.. وليد..إنك حتى.. لم تتحسن الترحيب بنا كأي ضيوف..
انتبهت على صوت حسام يقول:
“لا بأس.. نعتذر على الزيارة المفاجئة.. كانت فكرة رغد”
ولذكر اسمي.. اخيرا تكرم على وليد بنظرة.. لكنها لم تكن أي نظره.. كانت حادة وساخنة جدا لسعتني وكادت تفقدني البصر..
حاولت التحدث فلم تسعفني شجاعتي المنهارة بمرآى الحبيب.. تأتأت ببعض الحروف التي لم أسمعها أنا..
التفت إلى حسام وقال:
“هل نذهب؟”
نذهب..؟؟ وهل أتينا؟؟ هكذا بهذه السرعة؟؟أنا لم أكد أراه.. انتظر.. أنا لدي عشرات بل الآلاف المشاعر لأعبر عنها.. دعني استرد أنفاسي.. دع لساني يسترجع قدرته على النطق.. دعني واقفة قرب وليد أستمد دعمه وأستشعر حنلنه!
قال وليد وهو يشيح بوجهه حنانه!
قال وليد وهو يشيح بوجهه عني:
“سأرافقكما”
فقال حسام معتقدا وليد يقصد مرافقتنا إلى السيارة المركونة في الخارج:
“لا تكلف نفسك.. نعرف الطرق.. شكرا”
فازداد احمرار وجه وليد وقال:
“أعني إلى المنزل”
فضربنا الاستغراب.. ونظرنا أنا وحسام إلى بعضنا البعض!! لماذا يريد وليد مرافقتنا إلى المنزل؟؟ هل هذا يعني.. سيأتي معنا؟؟ هل حقا سيأتي معنا؟؟
“هيا فأنا لا أريد التأخر على ضيوفي”
قال هذا وسار يسبقنا نحو سيارة حسام.. وسرنا خلفه كتلميذين مطيعين.. أبلهين.. حتى ركبنا السيارة والتي بالكاد حشر وليد جسده فيها.. وانطلقنا عائدين إلى منزل خالتي..
كنت أجلس خلف حسام,إذ إن وليد كان قد دفع بمقعده إلى الوراء لأقصى حد ليمد رجليه.. فسيارة حسام صغيرة جدا..
الصمت خيم علينا طوال الطريق.. الذي انقضى وأنا أحاول تهدئة نبضات قلبي وإعادتها إلى معدل سرعتها الطبيعي… ولم يقطع الصمت غير جمل قصيرة عابرة من طرف حسام.. وجملة(خفف السرعة) من لسان وليد.. فقاد حسام السيارة بسرعة عادية على عكس عادته…وطال المشوار.. خصزصا وأننا اضطررنا للتوقف مرتين عند مركزي تفتيش بوليسي…
وفي كلا المرتين يطلب رجال الشرطة رخصة القيادة والبطاقات الشخصية.. ولحسن الحظ أو ربما لحسن العادة كان وليد يحمل صورة بطاقته العائلية والتي تشمل هويتي…
لذلك قال وليد بعدما قادرنا نقطة التفتيش الثانية مخاطبا حسام:
“ماذا لو لم أرافقكما؟”
فقال حسام:
“لم نواجه أي نقاط في طريق الحضور”.
عندما وصلنا إلى المنزل هبط وليد من السيارة أولا وتبعناه…
قال حسام:
“تفضل”.
داعيا إياه للدخول إلى المنزل من باب اللياقة… غير أن وليد قال:
“شكرا, لدي ضيوف كما تعلم سأعود إليهم”.
فقال حسام:
“هل.. أوصلك؟”
فأجاب وليد:
“سأتدبر أمري”.
ثم فجأة أدار وجهه نحوي وقال:
“في المرة القادمة إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فاطلبي ذلك من سامر فقط.. مفهوم؟”
هل هو يخاطبيني؟؟
هل يعنيني أنا؟؟
هل ينظر إلي أنا؟؟
كان حسام يوشك على فتح بوابة المنزل ولما سمع هذا استدار ونظر إلى وليد وقال مستاء:
“وهل ستظن أنني سأختطفها مثلا؟ إنها ابنة خالتي كما هي ابنة عمك”.
وبدا أن الجملة قد استفزت وليد فقال غاضبا:
“أنا لم أتحدث معك.. هذا أولا.., أما ثانيا فلا تقارن نفسك بي.. إنني الوصي هنا ومن يقرر مع من أسمح أو لا أسمح لابنة عمي بركوب السيارة”.
شعر حسام بالإهانة فقال حانقا:
“هكذا..؟؟.. من تظن نفسك؟”
فرد وليد:
“لا أظن نفسي بل أنا على يقين ممن أكون… وإذا سمحت.. افتح الباب ودع الفتاة تدخل عوضا عن الوقوف في الشارع هكذا”.
هنا… اجتاحتني شجاعة مفاجئة فتدخلت ناطقة أخيرا:
“وليد أنا…”
وقاطعني وليد فجأة قائلا بفظاظة:
“ادخلي”.
نظرت إليه شاعرة بالانكسار… وليد… كيف تخاطبني هكذا؟؟ وليد هل نسيت من أكون؟؟ لماذا تغيرت إلى هذه الدرجة؟؟ دعني أتحدث..
وأصررت على النطق… أريد أن أفهم وليد لماذا ذهبنا إلى المزرعة وما مقدار لهفتي إليه… وحاجتي للتحدث معه…
“وليد…”
نطقت باسمه فإذا به يقاطعني مكررا بفظاظة أشد وهو يعض على أسنانه ويبث الشرر من عينيه:
“قلت إلى الداخل… هيا”.
انكمشت على نفسي… تقلصت حتى أوشكت على الاختفاء… من رد وليد…
حسام فتح الباب وقال بصوت خافت:
“ادخلي يا رغد”.
فدخلت خطوة, وتوقفت عند فتحة الباب وانقلبت على عقبي ورأيت وليد يولي ظهره إلينا ويسير مبتعدا…
اقترب حسام ووقف أمامي مباشرة حائلا دون رؤية وليد… فتراجعت للوراء ودخلنا إلى الداخل… وأغلق هو البوابة وسار مبتعدا وبقيت عيناي معلقتين على بوابة السور أحملق فيها… نظرت إليه فرأى تعبيرات الأسى المريرة على وجهي.. فأقبل نحوي وأظهر التعاطف قال:
“إنه… لا يكترث بك يا رغد”.
نظرت إليه والعبرة تكاد تختفي… فقال:
“لا أعرف ما الذي يعجبك في رجل كهذا؟ إنك تضيعين مشاعرك هباء”.
صعقت.. وأخذتني الدهشة من كلام حسام.. الذي واصل وهو يرى سحنتي تتغير:
“أتظنين أنني لا أعرف أنك تحبينه؟ أنا أعرف يا رغد”.
وتضاعف ذهولي وحملقت به غير مصدقة لما أسمع…
قال حسام:
“سارة لفتت انتباهي لهذا ذات مرة.. والآن تصرفاتك كلها فاضحة..”
مازلت أحملق فيه بذهول… عاجزة عن التعليق…
تابع هو:
“لكنني لن أقف مكتوف اليدين يا رغد.. سبق وأن وافقت على الزواج مني.. وهي الآن مسألة وقت.. إياك والتلاعب معي… إياك…”
وأشار إلي بسبابته مهددا… ثم استدار وواصل طريقه داخلا إلى المنزل…
*************************
أما وليد فعندما جاء لزيارتي في شقتي… أخبرني عما حصل ووبخني بشدة وأثار معي شجارا حاميا..
“لقد كلفتك أنت وأعني أنت… بأن تهتم بشؤونها في غيابي.. فلماذا تدعها تخرج مع حسام في سيارته مهما كان المشوار؟؟”
قلت مستنكرا:
“يا وليد! أنت تتكلم عن حسام وكأنه شخص غريب… إنه ابن خالتها وثل أخيها ومثلي ومثلك تماما ولطالما كان يصطحبها سابقا في المشاوير إذا اقتضى الأمر.. ليس لها ملجأ غيره وغيرنا ولذلك هي تعتمد عليه…”
غضب أخي كثيرا وقال صارخا:
“كان ذلك في السابق.. في عهد أبي رحمه الله.. لكن أنا لا أسمح لها بالخروج معه.. وفي عهدي أنا يجب عليها أن تلتزم بما أقوله أنا”.
قلت مستاء وساخرا:
“لكنك لم توصيني بألا أسمح لها بالخروج معه.. ولم تذكر أسماء المسموح لهم في توكيلك السامي ذاك”.
فاشتط أخي غضبا وضرب الجدار بيده فجاءت ضربته على لوحة معلقة وأوشك أن يكسرها… وللعلم فإن لشقيقي هذا قبضة فتاكة جربتها أكثر من مرة..
ولا تزال أمامي تجارب أخرى… كما سترون….
أثار غضبه شيئا من الروع في نفسي وإذا به يزمجر:
“أنا لا أمزح هنا يا سامر… أحدثك بمنتهى الجدية والمسؤولية… فلا تستفزني…”
فقلت مدافعا:
“وما أداني أنا أن هذا سيغضبك وإلى هذه الحد؟ لماذا لم تنبهني مسبقا؟”
فقال:
“هي تعرف هذا جيدا وسبق وأن حذرتها.. مرارا وتكرارا… لكنها تضرب بكلامي عرض الحائط.. قل لها… أن تتوقف عن عنادها هذا وإلا…”
وهو يشير بسبابته نحوي مهددا… فهتفت معترضا:
“وإلا ماذا يا وليد؟؟”
ولم يرد وكأنه لا يجرؤ على النطق بما يدور بخلده من شدة فظاظته… فأعدت السؤال:
“وإلا ماذا بعد؟ لماذا كل هذه القسوة والصرامة في معاملتها؟”
رد أخي بحدة:
“أعاملها كيفما يحلو لي”.
فاعترضت مستنكرا:
“كلا… كلا يا أخي ليس كما يحلو لك… أنت قاس وفظ للغاية… وتصب جام غضبك على من لا ذنب لهم في الإساءة إليك… رغد كانت مستميتة لأجل لقائك أو التحدث معك والاعتذار لك على خطأ لم تقترفه هي من أجل تطييب خاطرك, وأنت عاملتها بمنتهى الغلظة والرعونة… معاملة لا يحتملها رجل شديد فكيف بفتاة رقيقة؟؟”
هتف وليد بغضب:
“سامر!”
فقلت مسترسلا:
“نعم يا وليد.. أزل الغشاوة عن عينيك… وميز مع من تتعامل… إنها فتاة حساسة ولا يليق بك أن تعاملها كهذا”.
وعوضا عن أن تثير كلماتي الندم وتأنيب الضمير في نفس شقيقي, إذا بي أراه ينظر إلي والشرر يتطاير من عينيه ويقول:
“وهل ستعلمني كيف أعامل فتاتي؟”
أذهلتني كلمة وليد هذه وحملقت به متفحصا… وقفزت كلمات خالتي أم حسام إلى رأسي…
قلت:
“فتاتك؟؟”
ورأيت تعبيرات وجه أخي تتغير… وكأنه انتبه للتو للكلمة… فقال محاولا تغيير أو تصحيح المعنى:
“الفتاة التي تحت وصايتي أنا”.

يتبع
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-2023, 01:34 AM   #83
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)


روايه انت لي الحلقه 47
رواية انت لي
الحلقة السابعة و الرابعون ا
تحت جنــاحك مهــما يكــــــــن
في طريق عودتنا من مكتب الشؤون المدنية القابع في المدينة الصناعية حيث استخرجنا بعض الوثائق اللازمة للعمل, مررنا على منزل خالة رغد وقال وليد إنه سيوصل إليها بعض الحاجيات. وبعدما إلى المزرعة لاحظت شرود وانشغال باله.
ولكي أكون دقيقة أكثر أقول إنني لاحظت ذلك منذ أن غلدر وليد منزل خالة رغد.
كان وليد قد عاد قبل يومين من المدينة الساحلة جالبا معه حقيبة عمله من الأوراق والوثائق المهمة التي يريد مني الاطلاع عليها وقبولها ورفضها.
حسابات… عقود… فواتير… مشاريع… وأشياء مزعجة اعتاد وليد على أن يقحمني فيها حينما كنا في المدينة الساحلية.
شؤون العمل هي كل ما دار نقاشنا حوله خلال الأيام القليلة التي قضاها هنا… ولم نتحدث عن أي شيء آخر… وكأننا لسنا خطيبين… فرقت بينهما عدة أسابيع والتقيا أخيرا…
وها هو الآن يستعد للمغادرة ويأخذ حقيبته من فوق المكتب ويخطو وسط الغرفة… باتجاه الباب.
كان يريد الذهاب إلى أخيه ليقضي الليلة معه وليصطحبه إلى المطار غدا.
كنت أراقبه بصمت وتأمل… ولاحظ هو تحديقي به فتوقف وسأل:
“أهناك شيء؟”
هناك أشياء كثيرة ولكن لا مجال لطرحها الآن.
أجبته بعد تردد:
“لا…لاشيء… فقط… لم لا تقضي الليلة هنا؟؟”
فنظر إلي نظرة ذات مغزى… فقلت:
“سأعد لك عشاء معتبرا…لا يبدو أنك تأكل شيئا منذ أسابيع”.
وخشيت أن يستسخف الفكرة لكنه لم يشأ إحراجي فقال:
“لا بأس… لكن يجب أن يكون عشاء مبكرا… إذ سيتعين علي الخروج باكرا صباحا”.
فابتسمت بسرور وانصرفت من فوري إلى المطبخ وعملت بنشاط…
وفيما أنا منشغلة مع طهوي أقبل خالي إلى المطبخ..
“هل تكلمتما؟”
مشيرا إلى موضوع زواجنا المعلق. فمنذ يوم طلبت منه أن ننفصل وحتى يومنا هذا وليد لم يفتح الموضوع ولم يخبرني عن قراراته ولا ما يجول بخاطره… ولم يجمع بيننا لقاء خاص أو حوار خاص… أو حتى سفرة طعام… وفاة والدتي رحمها الله شغلتنا عن التفكير بأنفسنا.
علاقتنا باردة كالثلج.. وهو وجد في العنل مهربا من التصادم معي… ولكن إلى متى؟؟
أجبت أخيرا على سؤال خالي:
“ليس بعد”.
فحزن ونهد. كان قلقا علي. قلت له:
“إنه لم يقم هنا غير ثلاثة أيام… كان مشغولا مع الوثائق والأوراق… لم تسنح الفرصة”.
فقال خالي:
“الشاب ينتظر منك أنت فتح الموضوع يا بنيتي فهو لن يجرؤ على هذا في ظل ظروفنا الحالية”.
قلت بصراحة:
“لا أعرف من أين أبدأ ولا كيف… أنا مشوشة جدا يا خالي وفقد والدتي أربك حياتي”.
وسكت برهة ثم واصلت:
“استطعت دعوته للبقاء هنا الليلة… وتناول العشاء معي… سأحاول أن ألمح للموضوع أثناء ذلك… وأرى إن… كان على استعداد للتطرق إليه الآن…”
شد خالي على يدي وقال:
“أصلح الله أمركما وبارك فيكما… تشجعي بنيتي…”
ثم غادر…
تركت الطعام ينضج على النار… وذهبت إلى حيث وليد… كان جالسا في غرفة المعيشة يطالع الصحيفة باهتمام… وقد ترك حقيبة سفره على المقعد بجانبه.. هممت بأن أقترب منه وأبعد الحقيبة وأجلس بجواره… ولكن خانتني شجاعتي… لما انتبه وليد لحضوري قال معلقا على خبر قرأ في الصحيفة:
“سيحظرون الرحلات الجوية من جديد… لا نعلم لكم من الزمن… سيزداد الأمر سوءا ومشقة”.
وقطب حاجبيه استياء… وتابع القراءة…
أردت التفوه بأي تعليق غير أن هاتفه سبقني بالرنين فأجابه وليد, وسمعته يتحدث باهتمام إلى الطرف الآخر والذي أدركت من مضمون الكلام أنه شقيقه يسأله عن موعد حضوره ثم يطلب منه أمرا ملحا…
هتف وليد وهو يقف ملحا:
“رغد؟؟”
فأصغيت لحديثه باهتمام… وكانت آخر جملة قالها:
“حسنا أنا قادم”.
وأنهى المكالمة. سألته بفضول:
“خيرا؟؟”
فنظر إلي نظرة سريعة ثم قال:
“يجب أن أغادر الآن… أنا أسف”.
أصبت بخيبة كبيرة… وقلت معترضة:
“والعشاء؟؟”
فقال معتذرا:
“تناولاه بالصحة والعافية… لن أستطيع مشاركتكما”.
غضبت وقلت:
“لقد أعددته من أجلك أنت يا وليد… ألا تقدر هذا؟؟”
أطرق وليد برأسه ثم قال نعتذرا:
“بلى يا أروى طبعا أقدر… لكن…”
فقاطعته منفعلة:
“لكن حبيبة القلب أولى بكل التقدير”.
نظر إلي وليد والدماء أخذة في الصعود إلى وجنتيه. ولم يجرؤ على التفوه بكلمة. أما أنا فقد اختل ميزاني لحظتها وأطلقت لساني قائلة:
“لم سكت؟ قل شيئا… ألست ذاهبا إليها؟”
زفر وليد زفرة ضيق من صدره ثم قال:
“سأذهب إلى شقيقي… يطلب حضور حلا والأمر مقلق”.
فقلت:
“لكنه أمر متعلق برغد… أليس كذلك؟؟”
ولم يجب فقلت:
“لن يمكنك الإنكار”.
هنا قال:
“لا أعرف ماذا هناك يا أروى… سامر لم يوضح لكنه أقلقني… ربما حدث شيء لا قدر الله”.
فقلت:
“أو ربما الصغيرة الغالية تتدلل على وصيها الحنون النبيل!”
نظر وليد إلي بانزعاج فقلت:
“إنها بالمرصاد لأي شيء يسعدني… ألا تلاحظ هذا؟؟”
زفر وليد الكلمات بضيق:
“هذا ليس وقته… أرجوك…”
وأولاني ظهره وتناول حقيبته هاما بالمغادرة…
لم أتمالك نفسي حينها وشعرت بالإهانة والخذلان والغيظ, فهتفت مجنونة:
“وليد… إذا خرجت الآن فلا تعد إلى هنا ثانية”.
توقف وليد واستدار إلي… ورأيت في عينه دهشة ثم مرارة كبيرة… لكنني لم أستطع السيطرة على شعوري… في أحوج الأوقات إليه تركني وسافر… والآن مع أول خطوة للتصالح بيننا وفيما أنا أشغل تفكيري وجهدي فيه ولأجله… يتركني وينصرف إليها…
أشاح وليد وجهه دون تعليق وسار نحو الباب. فهتفت مجددا:
“قلت… إذا خرجت فلا تعد ثانية… أبدا… هل سمعت؟”
ولم يكترث بكلامي, فصرخت في غيظ:
“هل سمعتني يا وليد؟؟”
استدار آنذاك بعصبية ونظر إلي وهتف بغضب:
“نعم سمعت”.
ثم أضاف:
“كم يؤسفني هذا منك… أولا أنا قلت سأذهب إلى شقيقي… يعني إلى المدينة التجارية وليست الصناعية والطريقان مختلفان ومتباعدان… وثانيا ليس بالوقت المناسب لتقليب المواجع… دعينا نفترق بسلام الآن”.
كنت أشعر بأن جزءا من قلبي قد نزع بعنف قلت منهارة:
“لن يكون هناك مرة قادمة… إذا خرجت الآن فلا تعد… أنا لم أعد أحتمل… هذا كثير… أي نوع من الأزواج أنت؟؟”
وهرولت منصرفة عن غرفة المعيشة وعائدة إلى المطبخ وأسندت جبيني إلى الثلاجة وأخذت أبكي…
بعد قليل سمعت صوت وليد يناديني ولم أجبه… أحسست به يقف عند الباب ثم يقترب مني… ثم سمعته يقول لي:
“أروى.. أرجوك… لاتزيديني هما على هم”.
واستمررت في ذرف عبرات الخذلان والأسف… إن الهم الأكبر هو هم امرأة تحب زوجها وتعرف أن قلبه مشغول بحب امرأة غيرها… هذا هو الهم الأدهى والأمر…
قلت:
“إذا كنت متعلقا بها لهذا الحد ولا تستطيع الاستغناء عنها فاذهب إليها… أنا لن أجبرك على البقاء معي ولا على حبي… ما حاجتي إلى رجل مشغول القلب بغيري…؟؟… اذهب… ولا تعد إلي ثانية”.
“أجّل سفرك”.
نظر شقيقي إلي باستغراب ثم سأل:
“عفوا؟؟ ماذا؟”
فكررت مؤكدا والجد يملأ عيني:
“أجل سفرك يا وليد ودعنا نسوي الأمور ونحل المشاكل أولا”.
قال بانزعاج:
“أتجلبني من المزرعة إلى هنا مفزوعا على وجه السرعة… مسببا ما سببت هناك… لتقول لي أجل سفرك؟ يا سامر وضح ماذا لديك؟ وما بها رغد؟”
أجبت بكل جدية:
“أم تقل إنك لا تريد إخطارها عن حضورك؟ ألم أقل لك إن هذا سيحزنها؟؟ إذن لماذا ذهبت إلى بيت خالتها اليوم وقابلتها؟ وبطريقة جافة؟ ألا تعرف كم من الحزن سببت لها معاملتك هذه؟ إذا كنت قد ضقت ذرعا بها ولا تريد تحمل أعباء مسؤوليتها بعد الآن ولا تطيقها بسبب خلافك مع أهلها فانقل الوصاية الكاملة إلي أنا ونهائيا”.
دوهم أخي وحملق في… وأنا أركز في عينيه بحدة وشدة…
ثم سألني:
“ماذا تعني؟؟”
فأجبت منفعلا:
“أعني أن تتنازل عن الوصاية عليها لي أنا… وأخلصك من هذا العناء تماما”.
وإذا بالحمرة تلون وجه وليد وإذا به يقول مهددا:
“كيف تجرؤ؟؟”
فأجبت بحدة:
“على الأقل… أنا سأعاملها معاملة حسنة تليق بها كابنة عم وحيدة ويتيمة الأبوين”.
وقف وليد فجأة وهتف بغضب:
“أتعني أنني لا أحسن معاملتها يا سامر؟”
فوقفت تباعا ورددت بصوت قوي:
“هل تسمي هذه القسوة والصرامة والخشونة… معاملة حسنة؟؟ وليد… لقد كنت أزورها قبل اتصالي بك… اتصلت بي الخالة وطلبت مني أن أذهب إليها… أخبرتني بأنك ذهبت إليهم ظهرا وقابلت رغد والله الأعلم ماذا قلت لها… وجعلتها تحبس نفسها في غرفتها منذ ذلك الحين ولا تفتح الباب لأحد… حاولت أن أكلمها لكنها طلبت مني الانصراف… أنا لا أعرف ما الذي قلته لها وجعلتها تحزن لهذا الحد… ثم تريد السفر بلامبالاة… وتتركني أنا أواجه الأمر وأرمم ما تهدمه أنت… أتسمي هذه معاملة حسنة؟؟”
وليد نظر إلى ساعة يده… وبدا متوترا… ثم قال:
“اتصل بها”.
ولم أتحرك… فقال وليد:
“الآن”.
فقلت:
“أقول لك إنني قدمت من عندها قبل ساعتين وهي منزية على نفسها… وهاتفها مغلق منذ النهار”.
قال:
“إذن اتصل بهاتف المنزل واسأل عنها ودعني أكلمها”.
بقيت واقفا في موضعي… أنظر إلى أخي بتشكك… ثم سألته:
“أخبرني أولا… ما الذي قلته لها؟؟ لماذا ذهبت إليها؟؟”
فأجاب مندفعا:
“أنا لم أذهب لزيارتها بل مررت لسبب آخر… ولم أقل شيئا”.
فقلت:
“إذن لماذا هي محطمة هكذا؟ لا بد أنك قلت أو فعلت شيئا جارحا حتى لو لم تدركه”.
وهذه الجملة استفزت أخي فهتف بغضب:
“وهل تراني وحشا ذا مخالب وأنياب؟؟”
قلت غاضبا:
“لا أراك تقدر شيئا أو تفهم شيئا… ألا تعرف ما تعني لها وما يعني رضاك أو غضبك؟؟ إما أن تكون أعمى أو بلا إحساس… وفي كلتا الحالتين لا تصلح لرعاية رغد… فدعني أتولى أمرها بنفسي من الآن فصاعدا”.
سكت وليد مبهوتا وتبعثرت نظراته ثم استجمعها واسترد رباطة جأشه وقال:
“اتصل الآن”.
ألقيت عليه نظرة مستهجنة ثم توجهت نحو الهاتف واتصلت بمنزل الخالة فأجابتني هي وعلمت منها أن رغد لا تزال حبيسة غرفتها وطلبت منها استدعاءها للتحدث معي فلم تستجب, وقلت لخالتي بأن تخبرها بأن وليد يريد التحدث معها ولكنها أيضا لم تستجب…
حين وضعت السماعة على الهاتف رأيت أخي ينظر إلى ساعة يده ثم يقول:
“إذن دعنا نذهب”.
انطلقنا من فورنا بسيارتي إلى المدينة الصناعية. عندما وصلنا إلى منزل أبي حسام لم يخرج وليد من السيارة بل قال:
“تعال بها”.
التفت إليه وقلت:
“لم لا تأتي معي ونسوي المشكلة مع العائلة الآن؟”
فرد:
“ليس هذا وقته”.
وتركته في انتظاري في السيارة ودخلت إلى المنزل, لم تفتح رغد الباب إلا بعد أن أقسمت لها مرارا وتكرارا أن وليد قد حضر معي ويريد مقابلتها… وعندما فتحته ذهلنا للسواد الذي لون وجهها الكئيب حتى غدا مضاهيا لسواد وشاحها. نقلت بصرها بيننا ثم سألت:
“أين هو؟”
فأجبت:
“ينتظرنا في السيارة”.
وبدا عليها عدم التصديق ونظرت إلى خالتها تبحث عن تأكيد فقالت أم حسام:
“لقد أحضره سامر ولكنه لا يريد دخول منزلنا كما تعرفين”.
فأطرقت رغد برأسها وقالت:
“أنتم تكذبون علي”.
وتراجعت خطوة بعكازها إلى الخلف فقلت بسرعة:
“ولماذا سنكذب عليك يا رغد تعالي وتأكدي بنفسك”.
بعثرت رغد علينا نظرات التشكك ثم قالت:
“إذا اكتشفت أنكم تخدعونني…”
فقاطعتها الخالة:
“يهديك الله يا رغد… انظري إلى حالك وحالنا معك… اذهبي معه وارحمي نفسك وارحمينا”.
ورافقتني رغد يدفعها الأمل خطوة ويوقفها الشك أخرى حتى صرنا أمام السيارة ورأت وليد بأم عينيها… نظرت إلي غير مصدقة فقلت مؤكدا:
“هل صدقتني الآن؟”

يتبع
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2023, 11:16 PM   #84
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)

روايه انت لي الحلقه 48

رواية انت لي
الحلقة الثامنة و الثلاثون
طريــــق الهـــلاك
رتبت للسفر إلى الشمال من جديد في يوم الغد, الخميس على أن أعود ليلة السبت.
كان لا بد من العودة إلى أروى وحل المشاكل العظمى معها.. وقد كنت مداوما على الاتصال بالمزرعة غير أنها تهربت من مكالماتي ولم يصف لي عمي إلياس عنها حالا مطمئنة.
وصلت الخادمة إلى منزلنا هذا الصباح وسأكون مطمئنا للسفر وتركها للعناية برغد, مع أخي.
الانسجام التام يسود علاقتهما والمسافة بينهما تصغر… وأجد نفسي مضطرا لتقبل الوضع إذ لا خيار أفضل عندي…
“أخيرا انتهينا”.
قلت وأنا أغلق آخر الملفات خاتما عمل هذا اليوم, والذي كان طويلا مرهقا…
ابتسم السيد أسامة وقال:
“أعطاك الله العافية”.
“عفاك الله, شكرا على جهودك”.
شد السيد أسامة ابتسامته وقال:
“لا شكر على واجب”.
ثم قال:
“بهذا نكون قد انتهينا من هذا المشروع على خير ولله الحمد. هل بقي شيء؟”
فأجبت:
“لا. ولا أريد أن نبدأ عملا جديدا قبل أسبوعين على الأقل. أريد أن أسترخي قليلا”.
فقال:
“أراحك الله. إذن.. ليس لديك عمل شاغر هذا المساء”.
قلت:
“سأنعم بنوم طويل وهانيء يريحني قبل السفر”.
فقد كنت خلال الأسبوع الماضي أعمل ليلا ونهارا… وأسهر حتى ساعة متأخرة على حاسوبي وبين وثائقي. كان أسبوعا حافلا جدا.
قال السيد أسامة:
“هل يناسبك أن أزورك الليلة؟”
فنظرت إليه.. وابتسمت وقلت:
“مرحبا بك في كل وقت.. تشرفنا أنّى حللت”.
فقال:
“الشرف لنا يا سيد وليد. شكرا لك. إذن سنزورك أنا وأخي”.
قلت:
“على الرحب والسعة”.
وعندما عدت إلى المنزل أخبرت شقيقي عن الضيوف وطلبت منه العودة باكرا ليستضيفهم معي.
وفي العصر اصطحبت رغد إلى الطبيب الذي كان يشرف على علاجها قبل سفرها إلى الشمال.. فأعطانا موعدا لنزع الجبيرة بعد نحو أسبوع.
وفي المساء حضر السيد أسامة مع السيد يونس, يرافقهما الأستاذ عارف,ابن أسامة الأكبر, والذي تعرفت إليه في المعرض الفني يوم أمس.
قضينا مع الضيوف وقتا طيبا تجاذبنا فيه الأحاديث الممتعة وتبادلنا التعارف أكثر وأكثر.. وقد سر الأستاذ عارف كثيرا عندما اكتشف معرفته المسبقة بسامر ولم يكن قد ميزه مباشرة لأن أخي قد أجر عملية تجميل في عينه اليمنى, والتي كانت مشوهة منذ الطفولة.
وجيء بذكر المعرض الفني الذي انتهى يوم أمس وعلق سامر بأنه سمع لأن لوحات الأستاذ عارف كانت مذهلة. واتخذ الحديث مجراه حول المعرض ومهارة الرسام عارف وكيف يعلم طلبته في المدرسة وكيف هي علاقته بهم وبزملائه المدرسين والفنانين وبأصدقائه ومعارفه وما إلى ذلك..
حتى خشيت أن يكون الأستاذ مصابا بداء الغرور أو أن أباه وعمه مولعان به لأقصى حد!
دار الحديث عن عارف وك
أنه نجم السهرة! لم أجد تفسيرا لهذا الاستعراض الغريب إلى أن فوجئت بالسيد أسامة يقول:
“سيكون من دواعي سرورنا وتشرفنا أن نناسبكم”.
دقت نواقيس الخطر في رأسي فجأة… حملقت في السيد أسامة بذهول… ثم التفت إلى شقيقي فرأيته لا يقل ذهولا عني… ارتبكت ولم أعرف إلى أين أرسل نظراتي… وإذا بي أسمع السيد يونس يقول:
“يشرفنا أن نطلب يد كريمتكم لابننا الغالي عارف… عسى الله أن يوحد النصيب ويجعل البركة فيه”.
صعقت… ذهلت… شللت فجأة… غاب دماغي عن الوعي… وغشيت عيني سحابة سوداء داكنة حجبت عني رؤية أي شيء…
مرت لحظة وأنا في حالة الذهول الشديد… لا أشعر بما يدور حولي… وسمعت صوت السيد أسامة بعدها يقول:
“يبدو أن الموضوع فاجأك!”
فاجأني فقط؟؟
أتريد أن تفقدني صوابي؟؟
كيف تجرؤ!! تخطب فتاتي مني؟؟ هل أنت مجنون؟؟ هل كلكم مجانين؟؟ ألا ترون؟؟ ألا تسمعون هؤلاء؟؟
شددت على يدي وتمالكت أعصابي لئلا أنكب على الضيوف صفعا… عضضت على أسناني وجررت بضع كلمات من لساني أخرجتها عنوة:
“أأ… فاجأتني جدا…”
ثم سألت, في محاولة غبية لتفسير الموضوع على غير ما هو واضح:
“مــــ… من تعني؟؟”
تبادل السيدان أسامة ويونس النظرات ثم أجاب أولهنا:
“كريمتكم.. ابنة عمك.. ليس لديكم غير ابنة عم واحدة على ما أعرف”.
التفت إلى أخي فوجدت الاحمرار يلطخ وجهه… كان صامتا متسمرا في مكانه, كتمثال شمعي يوشك على الذوبان…
ما بك؟؟ ألا تسمع؟؟ ألا تعي؟؟ يريدون خطبة رغد مني!! هل أضحك؟؟ هل أصرخ؟؟
قل شيئا… افعل شيئا…
قال أسامة:
“يبدو أن الفتاة لم تخبركما”.
وأضاف:
“فابنتي قد حدثتها حسب علمي”.
وتابع:
“وكنا نرغب في فتح الموضوع منذ زمن ولكن كريمتكم أصيبت وسافرت لفترة… أم عارف كانت ستزوركم لو كانت حرمكم هنا”.
وتكلم المحامي يونس قائلا:
“أردنا أن نؤجل لحين حضورها بالسلامة لكن”.
ونظر إلى الأستاذ عارف وهو يبتسم متمما:
“عارف ألح علينا الحضور الليلة!”
فعقب عارف في خجل:
“خير البر عاجله”.
كل هذا وأنا جامد في مكاني.. كالجبل…
أحسست بالاختناق… ففتحت ربطة عنقي بعض الشيء وتحسست نحري… كان حار يسبح في العرق… زفرت آخر نفس جبته مع شهقة المفاجأة.. فخرج بخارا ساخنا من فرط اشتعالي..
اهدأ يا وليد.. تمالك نفسك يا وليد.. هؤلاء.. المجانين.. لا يعرفون شيئا.. سايرهم على قدر فهمهم… واحترم كونهم ضيوفك.. اصبر إلى أن يغادروا.. ثم انسف المنزل بمن فيه..
قال السيد أسامة مستدركا ردي:
“نقول على بركة الله”.
أي مبروك يا هذا؟ أمسك لسانك وإلا…
وأمسكت أنا بلساني وقلت:
“على رسلك.. الموضوع مفاجىءو… لم أستوعب بعد”.
فقال المحامي يونس:
“خذوا وقتكم… الشاب كتاب مفتوح واسألوا عنه من تشاءون. وسنكون غاية في السرور إذا ما توافق النصيب وارتبطت العائلتان بهذا النسب المشرف”.
ثم تمتم هو وأخوه وابنه بكلام لم يجد في ذاكرتي متسع لتخزينه فضلا عن سماعه أصلا… وأخيرا شكرونا على حسن الضيافة, واستأذنو منصرفين…
غادر الضيوف.. مخلفين خلفهم صمتا موحشا…
مرت الدقيقة تلو الأخرى.. ونحن.. أنا وشقيقي في حالة تيه وتشتت… كان أحدنا يلقي بنظره على الآخر بين الفنية والفنية.. منتظرا منه أي تعليق, ولا تعليق…
أخيرا سمعنا صوت حركة في المنزل.. تحديدا… كان صوت اصطفاق عكاز رغد بالأرضية الرخامية.. وكان الصوت يقترب منا.. حتى توقف.. عند الباب.
التفتنا إلى الباب مترقبين ظهور وجه رغد… فسمعنا صوتها يقول:
“هل أدخل؟”
ولم يجب أيّنا… ثم سمعناها تنادي باسمينا.. ولا من مجيب, فقد أكلت الصدمة لسانينا…
ربما شكت رغد في وجود أحد في الغرفة فأطلت برأسها بحذر واندهشت حين رأتنا نحن الاثنين جالسين في الداخل, واجمين وكأن على رؤوسنا الطير…
قالت:
“ماذا هناك؟؟”
تبادلنا النظرات أنا وأخي, ثم تجرأ لساني ونطق:
“لا شيء…”
لكن رغد وهي تحملق فينا أحست بأن في الأمر شيئا…
أو ربما كانت تعرف أصلا ماذا هناك, وتتظاهر بالجهل…
ألم يقل أسامة أن ابنته أخبرتها؟؟
قلت:
“تفضلي رغد”.
فسارت بتردد حتى جلست على أحد المقاعد.. ونقلت بصرها بيننا ثم سألت:
“هل حصل شيء؟؟ لا تبدوان طبيعيين؟!”
وهل تتوقعين مني أن أبدو طبيعيا.. وقد غادر المنزل خاطب لك قبل قليل؟؟ لماذا يارغد؟؟ لماذا تفعلين هذا بي؟؟ لماذا أنت مصرة على الخيانة؟؟ يئست من حسام ففتشت عن غيره؟؟ إنني سأقتله قبل أن يتمكن أي رجل من الوصول إليك… سأقتلهم جميعا…
عادت رغد تسأل:
“ماذا؟؟”
فنطقت أخيرا وعيناي ملؤها الغضب:
“رغد.. هل تعرفين من الضيوف الذين زارونا الليلة؟؟”
وقبل أن تجيب نطق أخي رادعا:
“ليس وقته وليد”.
تجاهلت كلام أخي, أما رغد فقد ألقت عليه نظرة حائرة ثم عادت إلي وقالت:
“كلا… ما أدراني؟؟”
فقلت وأنا أعض على لساني:
“إنه السيد أسامة المنذر… والد صديقتك”.
وتفحصت عينيها لأرصد تعبير يظهر منهما دالا على أي شيء… ولم أجد غير الحيرة والتساؤل…
قلت بذات الحدة والشرر المتطاير من عيني:
“أتعرفين من جاء برفقته؟؟”
فهتف أخي بانفعال:
“ليس وقته يا وليد دعنا نناقش الأمر فيما بيننا أولا”.
فالتفتنا إلى شقيقي.. هي تعلوها الحيرة وأنا يجتاحني الغضب…
سامر نظر إلى رغد وقال:
“رغد عودي إلى غرفتك رجاء”.
تأملته رغد بقلق ثم نظرت إلي وعلائم التعجب تحيط برأسها من كل جانب…
سألت:
“ماذا هناك؟؟”
فتولى أخي الإجابة قائلا:
“لا شيء يا رغد. من فضلك اذهبي إلى غرفتك الآن”.
وأنا صامت لا أعلق… فتفاقم القاق والحيرة على وجهها ووجهت إلي السؤال:
“ما الخطب وليد؟؟”
فابتلعت غيضي وحبسته في جوفي وقلت محاولا أن يظهر صوتي لطيفا قدر الإمكان:
“عودي إلى غرفتك”.
وأرادت أن تجادلني ولكنها رأت الإصرار في عيني والشرر المتطاير منهما.. فتراجعت… وقامت وغادرت الغرفة.
بعدد ذهابها قام سامر وأغلق الباب ليضمن عدم تسرب صوتينا إليها ثم قال:

يتبع
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2023, 11:28 PM   #85
المنتديات العامة
 
الصورة الرمزية بسمة امل
 
تاريخ التسجيل: 9 - 12 - 2018
الدولة: قلب صنعاء
المشاركات: 6,602
معدل تقييم المستوى: 110
بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute بسمة امل has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)

متابعة
__________________
وسيبقـى نبـض قلبـيـنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةيمنيـا 🇾🇪
بسمة امل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-2023, 12:00 AM   #86
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)


روايه انت لي الحلقه 49

رواية انت لي
الحلقة التاسعة و الاربعون
الجزء الأول
يا شقيقي الوحيد
تقترب الساعة من السابعة والنصف ووليد لم يظهر بعد! سأتأخر عن الجامعة… ألا يزال نائما حتى هذه الساعة؟؟
كان لا بد لي من الذهاب إلى غرفة المعشية – حيث ينام – وطرُقِ الباب…
نحن لا نكلم بعضنا منذ أيام… في الواقع العلاقة بيننا شبه منقطعة منذ زمن… وبعد موضوع الفنان عارف هذا الأخير… لم نعد نتبادل غير التحية…
لكن أنا أرضى من وليد بأي شيء… حتى لو قرر أن يتجاهلني تماما… سأقبل… أريد فقط أن يبقيني تحت جناحه… وأن يسمح لي بأن أراه ولو مرة واحدة كل يوم…
واليوم سيأخذني إلى الطبيب حتى تنزع جبيرة رجلي أخيرا… وأستعيد كامل حركتي… أخيرا…
طرقت الباب مرارا ولم يجبني. كان الوقت يداهمني لذلك لم أتردد كثيرا قبل فتح الباب… والمفاجأة كانت أنه لم يكن في الداخل!
بحثت عنه في المطبخ والغرف المجاورة ولم أجده. شعرت بالقلق… ورجحت أن يكون في الطابق العلوي. لم تكن الخادمة قد استيقظت بعد… اتصلت بغرفته العلوية عبر الهاتف الداخلي وما من مجيب… ازداد قلقي… فاتصلت بهاتفه المحمول… وأخيرا تلقيت ردا:
“نعم رغد”
قالها بسرعة وكأنه على عجلة من أمره أو مشغول… سألته مستغربة:
“أين أنت؟؟”
فأجاب:
“في الجوار… سأصل بعد قليل”
ولكن! إلى أين ذهبت في هذا الصباح الباكر؟؟ وكيف غادرت وتركتني!؟؟
قلت:
“حسنا”
وأنهيت المكالمة وجلست أنتظره في المطبخ. جاء بعد قليل وكان يحمل معه كيسا يحوي أقراص الخبز وفطائر وأطعمة أخرى, فاستنتجت أنه كان في المخبز.
قاد وليد السيارة بسرعة كبيرة نحو الجامعة, على غير العادة… وتلقى ثلاثة اتصالات هاتفيه أثناء الطريق… وكان ظاهرا من كلامه… أن هناك ما يقلقه…
لم أجرؤ على سؤاله… فالتواصل بيننا مؤخرا كان مجمدا… ذهبت إلى جامعتي وقضيت نهاري بين زميلاتي بشكل اعتيادي… دون أن يخطر ببالي… أنه سيكون النهار الأخير…
بعد انتهاء المحاضرات, جلسنا أنا ومرح عند المواقف ننتظر وصول سيارة وليد كالعادة… فهو من كان يوصلنا يوميا ذهابا وإيابا إلى ومن الجامعة. مرت بضع دقائق ولم تظهر السيارة… ووجدت مرح في الانتظار فرصة لتطرح علي السؤال التالي:
“هل من جديد… عن موضوعنا؟؟”
تعني موضوع عرض الزواج!
آه يا مرح! وهل هذا وقته؟؟
لم أشأ أن أكون فظة… وأخبرها مباشرة بأن تنسى الموضوع نهائيا… خصوصا وأن هناك طلب رسمي من عائلتها مقدم رسميا إلى وليد… ولي أمري.. والذي يجب أن يتولى بنفسه الرد الرسمي على الطلب, لم أشأ أن أحرجها وأحرج نفسي لذا قلت متظاهرة بالمرح:
“انتظروا رد أبي!”
لكنني لم أتخلص منها إذ سألت من جديد:
“ماذا عن رأيك أنت؟؟ هل توافقين على الفكرة مبدئيا؟؟”
واحترت بم أجيب؟!
ربما فسرت مرح حيرتي بأنها قبول وخجل… فها هي تبتسم بسرور!
أظهرت الجد على ملامح وجهي وقلت:
“مرح… هناك شيء لم أطلعك عليه من قبل”
فاتسعت ابتسامتها وقالت بفضول مندفع ممزوج بالمزح:
“ما هو؟؟ أخبريني!سرك في بئر!”
آه! يبدو أنه من الصعب أن تأخذ مرح الأمور بجد حقيقي!
قلت وأنا مستمرة في نبرة الجد:
“لقد… كنت مخطوبة في السابق”
اتسعت حدقتا مرح بشدة… وحملقت بي غير مصدقة, فقلت مؤكدة:
“نعم… ولعدة سنوات!”
قالت بعد ذلك وفمها مفغور:
“أحقا!! لا أصدق! كيف!؟؟ متى؟؟ أين؟؟ من؟؟”
انتظرت حتى تستفيق من أثر المفاجأة ثم قلت:
“بلى صدقي”
فقالت مباشرة:
“متى رغد!؟”
أجبت:
“منذ سنين… كنت صغيرة…و… لقد انفصلت عنه… قبل شهور”
لم تخف مرح دهشتها الشديدة…
أستغرب من نفسي!!
كيف أذكر هذا الموضوع وكأنه موقف عابر وانتهى… بينما كان في الواقع حدثا استمر لأربع سنين؟؟!!
أربع سنين عشتها مخطوبة لسامر… وأنا لا أعرف ما هي حقيقة مشاعري نحوه… أصلا… لم أكن أعرف أن هناك أنواع من الشعور… لم أذق منها سوى طعما واحدا… إلى أن ظهر وليد في حياتي من جديد… وأذاقني أصنافا أخرى…
سألت مرح:
“من كان؟؟”
فنظرت إليها نظرة قوية… ثم أبعدت بصري عنها وطأطأت رأسي… وبعد تردد قصير أجبت:
“ابن عمي”
حينها هتفت مرح بدهشة وهي ترفع يدها إلى فمها:
“المليونير!!! وليد شاكر!!؟؟”
التفت إليها بسرعة وقد لسعني تعليقها بقوة فأجبت بتوتر:
“لا… لا…”
ثم زممت شفتي وأضفت:
“شقيقه الأصغر”
فقالت مرح وقد بدا وكأنها آخذة في الاستيعاب:
“هكذا… إذن!”
ثم صمتت قليلا… وعادت تسأل:
“و… لماذا انفصلتما؟؟”
وعند هذا الحد كان يجب أن نتوقف… قلت وأنا أفتح حقيبتي وأستخرج هاتفي وأتظاهر بعدم الاكتراث:
“لا نصيب”
واتصلت مباشرة بوليد… أسأله عن سبب تأخره…
وأدهشني وحيرني حين أجاب:
“أنا آسف يا رغد. لا أستطيع الحضور الآن. مشغول جدا. عودي مع صديقتك”
**********
كنت ساعتها أبذل كل الجهود الممكنة والمستحيلة من أجل تسهيل أمر ترحيل أخي إلى الخارج في أي لحظة تصل يدي إليه… اتخذت عشرات التدابير… ووضعت عدة خطط وبدائل خطط… استعدادا للعملية…
لم يعد لدي شك في أن أخي بالفعل متورط مع تلك المنظمة… ولم أعد بحاجة إلى دليل إضافي بعد ما وجدت في الصندوق…
لا وقت لدي كي أستوعب وأحلل… أنا هنا فقط لأعمل وأعمل… بشتى الطرق… لأعثر عليه وأخرجه من البلد قبل أن تسبقني السلطات إليه…
ولشخص مثلي… عاش في السجن ثمانية أعوام… ورافق مجرمي أمن البلد… وعاصر مصارعهم أمام عينيه, لا أحد بحاجة لأن يشرح لي… ما الذي يمكن أن يلاقيه أخي… لو تم اعتقاله…
عدت إلى المنزل عند الخامسة… في أشد أشد حالات الإعياء والتعب…
عند وصولي استقبلتني رغد بوجه قلق… وسألتني مباشرة:
“تأخرت وليد…”
وسرعان ما لاحظت أثر الإعياء صارخا على وجهي… فقالت هلعة:
“ماذا هناك…”
فركت عيني اللتين لم تذوقا للنوم طعما منذ البارحة ثم قلت:
“متعب من العمل… سأخلد للنوم”
وخطوت خطوة باتجاه غرفة المعيشة, فاستوقفتني رغد قائلة:
“موعدي مع الطبيب”
فتذكرت… أن اليوم… هو موعد نزع جبيرة رغد… وهو أمر ألغاه من ذاكرتي ما حل مكانه بكل قوة…
التفت إليها وقلت:
“لا وقت لدينا”
فنظرت إلي بحيرة واستغراب وحزن… عندها اقتربت منها خطوة وقلت:
“رغد… اجمعي أهم أشياءك في حقيبة… جهزيها في أسرع وقت اليوم”
بدا الذعر على وجه صغيرتي ورفعت يدها نحو عنقها وقالت متوجسة خيفة:
“ستعيدني إلى خالتي؟؟… كلا أرجوك”
فحملقت فيها قارئا مخاوفها وتوسلاتها ثم قلت:
“ليس هذا… قد نضطر إلى سفر طارئ وحرج في أية لحظة… استعدي”
وتابعت سيري إلى غرفة المعيشة تاركا إياها في حيرتها… واستلقيت على الكنبة وغرقت في النوم بسرعة…
“وليد… سامر هنا”
فتحت عيني… واستفقت لأكتشف أنني لا زلت نائما على الكنبة… وأرى رغد تقف أمامي…
لكن… مهلا… ماذا كانت تقول؟؟ ماذا كنت أحلم؟؟ ماذا سمعت؟؟ ماذا هيئ لي؟؟
استويت جالسا وأنا لا أزال بين النوم والصحوة… ونظرت إلى ساعة يدي… فرأيتها تشير إلى الثامنة مساء…
أوه… الصلاة…
قلت:
“لماذا لم توقظيني عند المغرب؟”
كان شيئا من القلق علو وجهها… وسمعتها تقول:
“لم أكن أعلم أنك لا تزال نائما… أحسست بحركة في المنزل فبحثت عنك… ووجدتك نائما هنا… سألت الخادمة فأخبرتني بأنها رأت السيد الأصغر يصعد السلم… أتيت لأوقظك وأخبرك بهذا”
لخمس ثوان بقيت محملقا فيها أستوعب ما قالته… ثم… وبسرعة البرق… قفزت من مكاني وركضت طائرا نحو الطابق العلوي…
أقبلت باندفاع نحو غرفة شقيقي وكان الباب مغلقا… ففتحته بسرعة واقتحمت الغرفة…
وكم كاد قلبي أن ينفجر من البهجة… حين رأيت شقيقي سامر… يقف أمام عيني…
“الحمد لله”
انسكبت الجملة من لساني وطرت نحو شقيقي وطوقته بذراعي وضممته إلى صدري…
“حمدا لك يا رب… حمدا لك يا رب”
ألف حمد لك يا رب… فقد رددت إلي شقيقي سالما… حيا… معافى… الآن أستطيع أن أخبئه… أن أحميه بحفظك… وأبعده عن الخطر…
أزحت ذراعي عن أخي ونظرت إلى عينيه… فرأيت الشك… والاتهام ينبعثان منهما… وانتبهت حينها إلى الصندوق الذي كان سامر يخبئ فيه السلاح… موضوعا ومفتوحا على السرير…
كلانا نظر إلى الصندوق… ثم إلى بعضنا البعض… ونظرتنا تبلغ إحداها الأخرى… بما استنتجت…
أخيرا نطق سامر قائلا:
“أين هو؟؟”
يقصد المسدس.. والذي أخذته أنا من صندوقه ذلك اليوم, وأخفيته…
لم أجب… فكرر سامر وبنبرة أغلظ وأشد:
“أين هو؟؟”
حدقت به برهة ثم قلت:
“تخلصت منه”
الرد باقتباس
{[ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ – إلهي لكـ الحمد والشكر نستغفركـ ياعفو ياغفور ]} 169
قديم(ـة) 26-07-2008, 12:14 AM
الكيان الحنون الكيان الحنون غير متصل
©؛°¨غرامي مشارك¨°؛©
الافتراضي رد: رواية انت لي كامله من البدايه إلى النهايه
بدأ وجه شقيقي يضطرب… تغيرت ألوانه وتبدلت سحنته… وزفر بنفاذ صبر وعاد يكرر:
“وليد… أخبرني أين وضعته؟؟ ولماذا سمحت لنفسك باقتحام غرفتي والعبث بأشيائي؟؟”
قلت محاولا امتصاص غضبه وأنا أمسك بذراعه:
“دعنا نجلس ونتحدث”
غير أن أخي سحب ذراعه من يدي وهتف بعصبية:
“أعده إلي يا وليد الآن… لا وقت عندي”
فنظرت إليه بعطف وقلت:
“لا وقت… لماذا؟؟ ما أنت فاعل؟؟”
فرد باقتضاب:
“ليس من شأنك… ولا تقحم نفسك في ما لا يخصك”
فرددت مباشرة معترضا:
“لا يخصني؟؟ أنت شقيقي يا سامر… شقيقي الوحيد وكل ما يتعلق بك يخصني ويعنيني”
قال سامر بعصبية وصبر نافذ:
“وليد لو سمحت… لا داعي لتضييع الوقت في الكلام… أعد السلاح إلي في الحال ودعني أذهب”
وكلمة (أذهب) هذه هزت جسدي من شعر رأسه إلى أظافر قدميه… ثم هززت رأسي بــ (كلا) فما كان من أخي إلا أن تجاوزني وسار مندفعا نحو الباب وهو يقول:
“سأفتش عنه بنفسي”
وانطلق نحو غرفة نومي… دخلها وباشر بتقليب الأشياء وبعثرة كل ما تقع يده عليه, بحثا عن المسدس…
وقفت عند الباب أراقبه… وأنا لا أصدق أنها الحقيقة… أخي أنا… عضو في منظمة للمتمردين… يشارك في تنفيذ عمليات إجرامية؟؟ أخي أنا… يملك سلاحا… ويغتال البشر…؟؟
“أين أخفيته يا وليد تبا لك!”
قال ذلك بعد أن اشتط به الغضب ويأس من العثور على ضالته… فقلت: “لا تتعب نفسك… إنه ليس هنا”
التفت إلي والشرر يتطاير من عينيه وزمجر:
“إذن… لن تدلني على مكانه؟؟”
فأجبت بحزم مع مرارة:
“أبدا”
وما كان من شقيقي إلا أن ألقي ما كان في يده وسار منطلقا إلى خارج الغرفة وباتجاه السلم…
تبعته وأنا أقول:
“إلى أين ستذهب؟؟ إنه ليس في المنزل”
فسمعته يرد:
“إذن… سأترك لك أنت المنزل”
انفجرت القنابل في رأسي… ركضت خلفه وأنا أهتف:
“انتظر… انتظر”
قفزت الدرجات قفزا حتى أدركته عند أواخرها وأطبقت بيدي على ذراعه… قلت:
“لن أدعك تخرج”
سامر حاول تحرير ذراعه من قبضتي فشددت أكثر… فصرخ في وجهي:
“اتركني”
غير أنني شددته أكثر وأعقته عن التقدم…
حينها سدد ركلة بركبته إلى معدتي مباشرة… وفرط الألم أصابني بشلل مفاجئ… فتمكن من الإفلات من قبضتي وهرول مبتعدا…
لحقت به بسرعة وأدركته عند الممر فأمسكت به وجذبته وأنا أهتف:
“لن أدعك تذهب يا سامر… لن ادعك”
ودارت بيننا معركة عنيفة… أشد شراسة وضراوة من تلك التي أشعلناها ليلة زيارة (عارف المنذر) لنا…
كنت أضربه وأنا أتألم… أمزق ملابسه وأنا أتمزق… أدميه وأنا أنزف… يستحيل أن أتركك تخرج يا سامر… وإن اضطررت لكسر ساقيك فسأفعل… لكنني لن أدعك تقع في أيدي السلطات… لن أدعهم يلمسوا منك ولا شعرة واحدة…
*********
وقفت أشاهد عراك ابني عمي الجنوني مذعورة… ألصق جسدي بالجدار خشية أن تنالني صفعة طائشة من أي من قبضتيهما!
كلما ضرب أحدهما الآخر أطلقت صيحة ذعر وأخفيت عيني خلف راحة يدي.. وانتفض جسمي. كان سامر يحاول التوجه إلى المدخل.. إلى الباب.. لكن وليد كان يجره في الاتجاه المعاكس وهو يصرخ:
“لن أسمح لك بالذهاب… لن أدعهم يمسكون بك… لن أسلمك للموت بهذا الشكل أبدا”
وسامر يحاول التحرر من يده وهو يصرخ:
“اتركني… لا شأن لك بي…”
فيرد وليد:
“سيقبضون عليك ألا تفهم؟؟ سيلقون بك في السجن إلى أن يعدموك بأبشع وسيلة.. أنا لن أسمح لهم بالوصول إليك”
ويحتدم العراك بين الشقيقين وأرى اللون الأحمر يشق جداول وبركا على جسديهما…
يضرب سامر ساق وليد بقوة فيجثو أرضا… ويحاول سامر الفرار فتقبض يدا وليد على رجله ويشده بعنف فيفقد توازنه ويقع أرضا… يطبق وليد على رجلي سامر ويجره في الممر عنوة… يحاول سامر النهوض ويفشل.. يصرخ:
“اتركني… ابتعد”
ويوجه ركلة بقدمه نحو وليد فتصيب أنفه مباشرة… لكن وليد لم يطلق سراح سامر من قبضته بل جره وهو يحك جسده بالأرض… ويحاول سامر غرس أظافره في الرخام الأملس دون جدوى… فيصرخ بصوت أقوى وأعنف:
“اتركني أيها الوحش”
ووليد مستمر في جر أخيه إلى أن أدخله مجلس الضيوف… لم أعد من مكاني أستطيع رؤيتهما لكن صراخهما كان يدوي في كل المنزل… وسمعت أيضا صوت المزيد من الركلات والضربات والآهات المتوجعة القوية… والتي جعلتني أرجح أن كسرا ما قد أصاب عظام منهما…

__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-2023, 12:06 AM   #87
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)

وايه انت لي الحلقه 50
رواية انت لي

الحلقة الخمسون

الفرار

طلبت من رغد أن تأوي على الفراش باكرا… لأننا سنرحل باكرا بُعيد صلاة الفجر مباشرة. كانت رغد مصرة على البقاء ساهرة على جانبي في غرفة المعيشة… مترقبة معي أي جديد… لكنني ألححت عليها بالذهاب على غرفتها ونيل حصتها من النوم… فما ينتظرنا في الصباح شاق وطويل…

كنت أشعر بالأسى لحال الصغيرة… فهي وجدت نفسها فجأة مضطرة للسفر ومعرضّة للخطر والإرباك… وهي مجرد فتاة صغيرة لا ذنب لها فيما يحصل ولا طاقة لها بتحمله…

للحظة استسغت فكرة أبي حسام في أن يصطحبها معه إلى الشمال… حيت تجد الاستقرار والأمان في بيت خالتها ومع أقاربها… لكنني خشيت أن يحصل معي ومع سامر أي شيء… يمنع عودتي إليها ويقطع اتصالي بها… كنت بين ألسنة النيران تحيط بي من كل جانب… ولم يكن لدي متسع من الوقت لإعادة التفكير وتغيير مجرى الخطة…المهم الآن أن أضمن سلامة سامر, وبعده… سأعيد النظر في كل شيء…

كنت جالسا على أحد المقاعد في غرفة المعيشة… أعيد إلى محفظتي القصاصات التي بعثرتها صباح اليوم… قصاصات صورة رغد… وأرتب النقود وخلافها في حقيبة اليد الصغيرة وأنا شارد التفكير… فيما أنا كذلك, قُرع جرس المنزل…

هببت واقفا فجأة… متوجسا خيفة…

قُرع الجرس مجددا… قرعا فوضويا… قرع قلبي معه… أسرعت إلى الهاتف الداخلي وسألت عن الطارق.

“المباحث. لدينا أمر بتفتيش المنزل. افتح الباب”

تلاحقت أنفاسي هلعا… الشرطة من جديد؟؟

لم أكن أريد أن أفتح الباب… لكن… كان لابد لي من ذلك… فتحت القفل الآلي للبوابة الخارجية وسرت نحو الباب الداخلي وما كدت أفتحه إلا وفوجئت بحشد كبير من العساكر يندفعون بقوة نحو الداخل… مصوبين فوهات أسلحتهم نحوي وفي كل اتجاه…

كانوا يرتدون زيا مختلفا عما رأيت مسبقا… مما حدا بي إلى الاستنتاج أنهم ليسوا عساكر مدنيين…

أخذني الفزع ولم أجسر على أي تصرف… وإذا بقائدهم يحدق بي ثم يشير إلى العساكر آمرا:

“ليس الهدف, انتشروا”

أخذ الجنود يتدفقون إلى الداخل… فهتفت وأنا أراهم ينفذون الأمر دون اعتبار لي:

“انتظروا… أنتم… كيف تقتحمون علينا المنزل… ما هذا؟؟”

والحشد يستمر بالتوغل غير آبه بكلامي.

التفتُ إلى القائد فإذا به يقول:

“لا تعترضنا. لدينا أوامر رسمية بتفتيش المنزل واعتقال المشبوهين”

فالتفت إلى العساكر ورأيت بعضهم يندفعون عبر الردهة إلى الممر الأيمن…فلحقت بهم بسرعة وركضت أسبقهم نحو غرفة رغد ووقفت عند بابها…

توزع العساكر فرقا في كل الاتجاهات… إلى اليمين في اتجاه المطبخ وغرفة المائدة… إلى الشمال في اتجاه المجلس وغرف الضيوف… إلى الدرج… إلى الطابق العلوي… انتشروا انتشار الجراد على الحقول… يدوسون بأحذيتهم العسكرية على أرضية وسجاد المنزل النظيف مخلفين آثارا قذرة كقذارة تصرفاتهم…

اقتربت فرقة منهم مني يريدون اقتحام الغرفة خلفي…

صرخت بهم:

“ما هذه الهمجية؟؟ ألا تراعون أن للبيوت حرمات؟؟”

رد أحدهم بوقاحة:

“لا تكثر الكلام. دعنا ننجز مهمتنا”

فقلت بغضب:

“هل تقبل بأن يقتحم أحد عليك بيتك بهذا الشكل؟؟”

حينها أقبل قائدهم ووقف أمامي واستخرج من جيبه ثلاث صور لثلاثة أشخاص… لمحت أخي من بينهم… وكانت الصورة قديمة له قبل إجراء عملية التجميل لعينه اليمنى…, ثم قال:

“نحن نبحث عن هؤلاء… أتعرفهم؟؟”

أجبت:

“لا يوجد في هذا المنزل من تريدون… لقد فتشتم أرجاءه كاملة هذا الصباح فماذا تريدون بعد؟؟”

وعوضا عن الشعور بالخجل من همجية عساكره, قال قائدهم:

“فتشوا الغرفة”

يقصد غرفة رغد التي أقف أنا عند بابها حائلا دون تقدمهم.

صرخت وأنا أنشر ذراعيّ سادا المعبر:

“إياكم والاقتراب… هذه غرفة فتاة ولا أسمح لكم بدخولها”

فقال القائد مصرا:

“فتشوها”

اقترب أحد العساكر مني فدفعته بيدي وأنا أهتف:

“قلت لكم لن تدخلوها… أليس لديكم أي اعتبار للحرمات؟؟ ابتعدوا”

فجأة… إذا بجميع العساكر من حولي يشهرون أسلحتهم في وجهي… وإذا بقائدهم يأمرهم:

“ابتعدوا”

ولم أر إلا سواعد غليظة قاسية تنقض علي محاولة جري بعيدا عن الباب…

حاولت أن أقاومهم… ضربت… ركلت… صرخت:

“رغد”

ثلاثة منهم أطبقوا على أطرافي وجروني إلى الأمام… وآخر تسلل من خلفي وأطبق على مقبض الباب وفتحه…

صرخت بكل حنجرتي:

“رغد… رغد”

وحررت إحدى يدي وأطبقت على الجندي الذي فتح الباب وسحبته من قميصه إلى الوراء بقوة… نظرت إلى الداخل فرأيت رغد تهب جالسة على سريرها وتنظر نحو الباب وتنطلق صرخاتها المفزوعة فورا…

هتفت:

“رغد”

ثم جررت بقية أطرافي بكل ما أوتيت من قوة من بين قبضات الثلاثة الآخرين وركضت مسرعا إليها…

كانت رغد تطلق الصرخة تلو الصرخة من فرط الفزع… قدمت إليها بسرعة وأحطتها بلحافها وطوقتها بذراعي وجذبتها إلي وأنا أهتف:

“أنا هنا يا رغد… هنا معك… أنا معك”

وهي مستمرة في نوبة الصراخ المفزوعة لا تكاد من شدّة فزعها أن تسمعني…

الغرفة كانت خافتة الأضواء… تستمد نورها من مصباح النوم المجاور للسرير…

اقتحمها جنود الأمن… بل جنود الرعب والفزع… وأخذوا يجوبون في أرجائها ويفتشون الدواليب… والستائر…

صرخت فيهم بأعلى صوتي:

“أيها الأوغاد… أيها الحقيرون… أيها الهمجيون الأراذل”

لكن صراخي لم يكن يهزّ في مشاعرهم المتبلدة أي شيء…

اقترب أحدهم منا… قاصدا تفتيش أسفل السرير فانفلتت أعصابي أشدّها… ونظرت من حولي فرأيت الهاتف الثابت موضوعا على المنضدة المجاورة… أطبقت عليه ثم رفعته ورميت به بقوة باتجاه الجندي فأصبته…

التفتت أعين بقية العساكر إليّ… ولم أر إلا حشدا غوغائيا متوحشا يهرع باتجاهي كي يهاجموني…

تركت رغد من بين يدي وهببت نحوهم أحول دون تقدمهم وأنتقم لانتهاك حرمة منزلي…

ضربت… ركلت… ولكمت… بثورة… بشراسة… بكل ما أوتيت من قوة… أو ما تبقى في جسدي من قوة بعد كل ما ألم به مؤخرا…

عددهم كان عشرة أو أكثر… كانوا مسلحين… أجسادهم ضخمة وقوية… تدربت على القتال العنيف… الفتاك…

أذاقوني فنونا لم أذقها أيام سجني… انقضوا علي انقضاض قطيع من الذئاب الجائعة على فريسة واحدة… قبل أن تنتهي الضربة تلقفني ضربة أخرى… وقبل أن أشعر بالألم في موضع, يصاب موضع آخر… وقبل أن أحرك أي جزء من جسمي, تجثوا علي أجسادهم الثقيلة فتشلني تماما…

أظنهم كسروا جمجمتي… ربما سحقوا دماغي… لأنني لا أستطيع أن أتذكر ما حصل… لم أعد أستطيع التذكر… لم أعد أستطيع الرؤية… لم أعد أستطيع التنفس… ولم أعد أستطيع سماع… صراخ رغد…

**********

أما أنا… فقد كنت أسمع صوت الضرب… وصوت وليد يصرخ متألما… وكنت أصرخ… وأصرخ… وأصرخ…

حسبت أنني مع صرختي الأخيرة… خرجت روحي مفارقة جسدي…

أبعدت اللحاف عن وجهي… هل لي بنظرة أخيرة على وليد؟؟ أين وليد؟؟ أين وليد؟؟ كان هناك… تحت كومة ضخمة من الأجساد البشرية… الوحشية… غارقا في الدماء…

لقد رأيته… يمد يده نحوي… يحاول أن يزحف باتجاهي… لم يكن ينظر إلي… كانت الدماء تغرق عينيه…لكنه يعرف أنني هنا… أنا هنا وليد… تعال إليّ… وليد أسرِع إلي… ابتعدوا عنه… أيها الأوغاد ابتعدوا عن وليد…

أمسكت بعكازي… ووقفت… لا أعرف كيف… وسرت خطوتين… فوليد لم يكن بأبعد من ذلك…

رفعت عكازي… وهويت به على رأس أحد الأشرار… هل أصبته؟؟ أم أخطأته؟؟ لا أدري… لكن العكاز لم يعد في يدي… لم أعد أستطيع أن أقف… كنت سأقع على حافة السرير, لكن شيئا ما قد ضربني وأوقعني أرضا…

صرخت…

“آآآآآآآآه…”

وسمعت صوت وليد يرد على صرختي:

“رغد”

صوته جاء أشبه بصدى مرتد عن بئر عميق…

اقترب الوحش الذي ضربته مني… ورفع قدمه ورفسني بقوة… رفسة ربما كسرت العظم الذي ما كاد ينجبر في يدي اليمنى… وأنا أطلق الصرخات… فزعا وألما…

“وليد… وليد…وليد”

تحركت يد وليد من تحت كومة الوحوش… ثم ظهر جسده وهو يستل من بين قيودهم بصعوبة… يقاوم هذا ويدفع هذا ويضرب ذاك… وهو يصرخ:

“ابتعدوا عنها أيها القذرون”

ويزحف على ركبتيه… حتى وصل إلى الوحش الذي ضربني وأطبق على ساقه وجذبها وأوقعه أرضا… وأسرع إليّ…

تشبثت به بقوة… وأنا أرتجف كالزلزال من الذعر… أبحث عن نقطة أمان بين يديه… كانت يداه تحاول أن تحتوياني… يقربني ويبعدني وهو يهتف باسمي مكررا:

“رغد… رغد…”

فجأة… رأيت عصا تحلق في الأعلى… ثم تحط بقوة على رأس وليد…

صرخت… وصرخ وليد… وأفلتٌ من بين يديه… ورأيت رأسه يهوي أرضا… ثم إذا به يبتعد عني… كانوا يسحبونه بعيدا…

صرخت… ومددت يدي نحوه وأمسكت بيده وأنا أناديه بفزع ما ضاهاه فزع… ورأيت يده تتحرك وتمسك بيدي… ثم تنفلت منها… وليد لم يكن ينظر نحوي… لم يكن يراني… لأنهم كانوا يقلبونه صدرا على ظهر… ويمينا على شمال… كانوا يمسكون برأسه… ويوشكون على كسر عنقه… كانوا يريدون أن يقطعوا نحره بحافة ذقنه… كانوا يحاولون خلع مفاصله وفصل أطرافه عن جسمه… رأيتهم… يدوسون على ذراعه الممدودة نحوي… ويركلون رأسه كما تركل كرة القدم…

وعصيهم كانت تنهال على ظهره وصدره بالضرب… وكأنهم يفتتون صخرة صلبة… تسد عليهم الطريق…

أولئك… لم يكونوا مخلوقات من هذا الكوكب… لم يكونوا يدركون… من هذا الذي يهمون بقتله… لا يعرفون أن هذا… هذا هو… وليد… وليد قلبي… كل حياتي…

أردت أن أنهض وأهب للذود عنه… لأفعل أي شيء… لأصد عنه ضرباتهم… بحثت عن عكازي… الذي طالما تحمل ثقلي طيلة الشهور الماضية وصار كجزء مني… أتعرفون أين وجدته؟؟؟

يطير في الهواء… ثم ينقض على ظهر وليد… يفصم فقراته…

صرخ وليد…

صرخت… وصرخت… وصرخت… وليد سمع صراخي فرفع رأسه يبحث عن الاتجاه… لم تعد أذناه تميزان اتجاه الأصوات… لقد زحف في الاتجاه الخاطئ… فزحفت نحوه أجر رجلي المجبرة جرا…

أخيرا أمسكت بيده… فشد علي… ورفع ذراعه وحاول أن يطوقني… المجرمون كانوا مستمرين في ضربه بالعصي… كانوا يرفسونه بأحذيتهم… ويدوسون عليه… لوحت بيدي وأنا أحاول إبعادهم عنه وأنا أهتف:

“كفى… أرجوكم كفى… كفى…”

لكن أحدهم… ركل بطن وليد بشراسة… وليد تأوه بشدة… وخرجت نافورة من الدم من فمه… ثم رفع رأسه وناداني… وأخيرا هوى بصدره نحو الأرض…

أحد الوحوش… أشهر مسدسه وصوب فوهته مباشرة إلى رأس وليد…

فزعت… ذهلت… انتفضت… صرخت بقوة:

“لا… لا… لاااااااااااا”

أطبقت على رأس وليد وضممته بين ذراعي…

نظرت إلى صاحب المسدس وصرخت:

“أرجوك لا… أرجوك لا… أرجوك لا”

وهو يهدد:

“ابتعدي”

فوضعت رأسي على رأس وليد… ولففته بذراعي أحول دون أن يفجروه…

“أرجوك لا… أرجوك لا… لا تقتله… لا…لا…لا…”

سمعت صوت أحدهم يقول:

“يكفي هنا. لم نؤمر بالقتل.انصراف”

أبعد صاحب المسدس مسدسه عن وليد… وسدد الرفسة الأخيرة إلى ظهره… فأطلق وليد أنة ضعيفة شبه ميتة… وفي ثوان… اختفى أنينه… واختفى صوت الجنود وصوت عصيهم… ولم أعد أسمع في المكان غير أنفاسي…

كنت آنذاك متصلبة على وضعي… وأنا أمسك برأس وليد وأدرعه بذراعي… وأضع رأسي عليه… وأغمض عيني بقوة… لأضمن عدم مشاهدة ما سيفعله الأوغاد به…

مر بعض الوقت… والهدوء مستمر من حولي… فيما الأعاصير القوية مستمرة في صدري… وفيما ذراعاي متيبستان حول رأس وليد… حتى فقدت القدرة على تحريكهما…

وبعد أن طال الهدوء… تشجعت وفتحت عيني بحذر… وجلت ببصري فيما حولي… ولم أر للوحوش أثرا… رفعت رأسي ومسحت بأنظاري كل أرجاء الغرفة… ولم أجد معي فيها غير وليد…

لقد انصرفوا…

كان وليد قربي مباشرة… مكبا على وجهه… وقد نزع قميصه ومزقت ملابسه… وتزاحمت الجروح والكدمات على جسمه… وكأنها تتنافس فيما بينها للنيل منه… وقد أغرقت الدماء ثيابه وما حوله…

كان رأسه لا يزال بين يدي… كاملا… متماسكا… لم يفجر… لكنه كان مبللا بمزيج من العرق والدم… وأشعر بالبلل يتخلل أصابعي مقطرا من شعره…

أدرته يمينا فيسارا… لأتأكد من أن ثقبا لا يخترقه أو أن رصاصة لا تنغرس فيه… فإذا بي أرى عينيه تسبحان في شلال من الدماء المتدفقة من جرح غائر في ناصيته…

وكان شلال آخر أشد غزارة يتدفق باندفاع من أنفه… وكأنه يفر هاربا من وحش الكهف الأسطوري… هذا… عدا النافورة العنيفة… التي تفجرت من فمه قبل قليل…

لم أكن أرى وجه وليد… حقيقة… لم أكن أرى غير طوفان من الدم الجارف يتدفق من كل مكان… ويصب في كل مكان…

صرخت:

“وليد… وليد…”

رأيته يحرك رأسه ويحاول فتح عينيه… غير أن الدماء كانت تغمرهما… سحبت لحافي المفروش على سريري بسرعة… وجعلت أمسح الدماء عن عينيه… وأنا أصرخ وأبكي بذعر:

“افتح عينيك… وليد أرجوك… انظر إلي”

فتح وليد عينيه ونظر إلي ونطق بأول حروف اسمي… ثم رفع ذراعه اليمنى وألقاها حول ظهري…

كان… لا يزال حيا…

بعد ذلك حاول أن يستند على يده الأخرى لينهض… لكنه ما إن رفع رأسه عن الأرض بضع بوصات حتى أطلق صرخة ألم وخر أرضا من جديد…

أظن… أن ذراعه اليسرى قد انفصلت عن جسده… فهو لم يستطع الارتكاز عليها… لا بد وأنهم خلعوا كتفه أو كسروا عظام يده… كان يتألم بشدة… بشدة… وليد قلبي يصرخ متألما… آآآآآآه… وليد… وليد…

اقتربت من رأسه وأحطته بذراعي مجددا وصرخت:

“أنت حي…؟؟ وليد… كلمني أرجوك…”

وشعرت به يتحرك… يحاول النهوض… ويعجز من فرط إعيائه… ثم حرك رأسه ونظر باتجاه الباب وتكلم…

“رغد… الباب”

وفهمت منه أنه كان يريد أن ينهض ليقفل الباب… فتشبثت به أكثر وقلت بفزع:

“لا تتركني”

حرك وليد يده اليمنى وأمسك بيدي وقال:

“الباب… اقفليه… رغد… بسرعة”

وشعرت به يشد على يدي بضعف… فأبعدت رأسي عن رأسه وسمحت لعينيه بالنظر إلى عينيّ… وما إن رآني حتى قال:

“الباب… بسرعة… لا أقوى على النهوض”

لم أكن أملك من الشجاعة ما يكفي لأن أبتعد عنه شبرا واحدا… وليس بي من قوة تعينني على الحراك حتى لو رغبت… وعوضا عن ذلك… شددت عليه أكثر وقلت:

“لا أقدر… خائفة”

فحرك وليد يده ومسح على رأسي وقال:

“أرجوك… أسرعي”

نظرت إليه فرأيته ينظر نحو الباب…

تلفتُ من حولي… بحثا عن عكازي… كان ملقى في الطرف الآخر من الغرفة أبعد علي من الباب… حررت رأس وليد وأومأت إليه بنعم, ثم… زحفت على يدي وأنا أجر رجلي المجبرة… شبرا شبرا… إلى أن وصلت إلى الباب فأغلقته ومددت يدي للأعلى وما إن أمسكت بالمفتاح حتى أقفلته وخررت على الأرض ألتقط أنفاسي…

كانت أنفاسي تخرج من صدري مصحوبة بأنين قوي… كنت أرتجف من الذعر وجسمي ينتفض بشدة… ويتعرق بغزارة… وكأنني قمت بمجهود كبير…

سمعت صوت وليد يناديني:

“رغد”

التفت إليه فوجدته وقد انقلب على ظهره ورفع رأسه وأسنده على قاعدة السرير…

ومد يمناه نحوي… ثم قال:

“تعالي”

لملمت فتات الطاقة المتبقية في أرجاء جسدي المشلول من الفزع… وزحفت عائدة إلى وليد… كان مشوارا طويلا… امتد بين المشرق والمغرب… استهلك مني كل عضلاتي وكل قوتي… وما زلت أزحف وأزحف… إلى أن صرت قربه… رميت برأسي في حضنه وغرست أظافري فيه…

لقد كنت أريد أن أفتح قفصه الصدري وأحتمي خلف ضلوعه… أظنني اخترقت ضلوعه فعلا… لا بد أنني داخل قلبي الآن… لأنني أسمعه ينبض بقوة… بسرعة… بثورة…

وكأنني أشعر بدمائه تبللني… وكأنني أشعر بأنفاسه تعصف بي… وكأنني أشعر بذراعيه تغلفانني…

دعوني أسترد أنفاسي… وأستجمع قواي… دعوني أسترخي وأغيب عن الوعي… دعوني أستعيد الأمان والسكون… داخل صدر وليد…

بعد فترة… أحسست بشيء يحاول إبعادي عن وليد… فتشبثت به بقوة أكبر… وصحت:

“لا”

وسمعت وليد يناديني… فقلت:

“أرجوك… دعني”

وبكيت بحرارة… وأنا أغوص بين ضلوعه… أعمق وأعمق…

وشيئا فشيئا… بدأت خفقات قلب وليد تتباطأ… وبدأت أنفاسه تهدأ… وبدأت ذراعه ترتخي من حولي… فتحت عيني… ورفعت رأسي قليلا ونظرت إليه… كان يغمض عينيه ويتنفس بانتظام… وصوت الهواء يصفر عند عبوره في أنفه المحتقن بالدماء… كانت الدماء المتخثرة ترسم على وجهه العريض خريطة متداخلة معقدة الملامح…

جلست ونطقت باسمه:

“وليد”

ولم يرد… لقد نام من شدة الإعياء… أو ربما فقد وعيه… لكنني عندما ربّتُ على وجنته انعقد حاجباه لثوان ثم استرخيا…

كان رأسه لا يزال مسندا إلى قاعدة السرير في وضع مؤلم… مددت يدي وسحبت إحدى وسائدي ووضعتها على الأرض… وحركت رأس وليد بحذر وأسندته إليها… ثم سحبت البطانية وغطيته بها…

وبقيت جالسة بجواره… أراقب أنفاسه وأي حركة تصدر عنه… وأنا أدقق السمع حتى خُيّل لي أنني سمعت صوتا ما من خارج الغرفة… فنظرت إلى الباب بفزع… ثم انحنيت قرب وليد وأمسكت بيده وشددتها إلي… طالبة الأمان…

************

تنبهت على صوت شيء مزعج… صوت يتكرر بانتظام… مرة بعد أخرى… كان صوت منبه…

أغمضت عيني بقوة… فأنا أسعر بحاجة مُلحّة لمتابعة السيارة… أشعر بأنني أستيقظ من أعماق أعماق نومي… ولا أريد أن أنهض…

لكن الرنين المتكرر المزعج أجبرني على فتح عيني والانتباه لما حولي…

اكتشفت… أنني كنت أنام على الأرض… في غرفة رغد… فتذكرت هجوم العساكر وانتقل دماغي فجأة من أعماق النوم إلى قمة اليقظة…

حاولت أن أهبّ جالسا فشعرت بشيء ما يربط يدي ويعيقني هن النهوض وداهمتني آلام حادة في جسدي كله… أعادتني إلى وضع الاضطجاع مرغما… التفت ببصري إلى اليسار… فوجدت رغد نائمة وهي في وضع الجلوس… ملاصقة لي… وقد استندت إلى سريرها وضمت يدي اليسرى بين يديها…

كان المنبه يتوقف عن الرنين قليلا ثم يعاود… ولكن رغد لم تنتبه عليه… ومع هذا… فإنني ما إن سحبت يدي حتى استيقظت ورفعت رأسها مفزوعة…

التقت نظراتنا… أنا الممدد على الأرض…بِخوْرِ قِوى… وهي الجالسة بقربي بفزع…

“وليد”

كانت هي أول من تكلم… بلهفة وقلق وهي تنحني نحوي وتحملق بعينيّ…

استخدمت يديّ الاثنتين لأنهض عن وضعي المضطجع… بكل ضعف… كعجوز طاعن في السن… مدقوق العظام مترهل البنية… واهن العضلات… كانت الآلام تقرص كل أجزاء جسمي قرصا… وكان أنفي شبه مسدود… بقطع الدم المتخثر في جوفه… وكان عنقي يؤلمني بشدة… وأنا عاجز عن تحريكه في أي اتجاه…

أخيرا أحسست بيد رغد تمسك بي… فأرغمت عنقي على الالتفات إليها ومددت يدي أشد على يدها وقلت:

“هل أنت بخير؟؟ هل تأذيت صغيرتي؟؟”

ورأيت الدموع تتجمع في عينيها بمرارة… فانهرت أكثر مما أنا منهار وأطلقت صوتي كالنحيب قائلا:

“آسف… سامحيني…”

فأي خزي وأي عار…أشد من أن يعتدى على حرماتك بشكل أو بآخر… وأنت ترى وتعجز عن الدفاع؟؟

يتبع
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-2023, 12:08 AM   #88
عضو مميز
 
الصورة الرمزية القلب الحزين
 
تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2023
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 10
القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute القلب الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: رواية انت لي (رغد ووليد)

روايه انت لي الحلقه 51 الحلقة الأخيرة
روايه انت لي الحلقه 51
رواية انت لي الحلقه
تركني وليد في حالة يرثى لها بعد خبر عزمه العودة إلى الوطن… إلى حيث الحرب والاعتداء والخوف والهلاك… إلى حيث الشقراء.. تنتظره… أنا يا وليد مستعدة للقبول بأي شيء مهما كان مقابل أن تبقيني إلى جانبك وتحت رعايتك أنت…
وفيما أنا غارقة في أفكاري جاءتني دانة تتفقدني..
“كيف أنت؟ يقولون أنك مضربة عن الطعام!”
وكل ما حصل هو أنني لم أتم عشائي البارحة ولم أتناول فطوري هذا الصباح.
قلت:
“من يقول ذلك؟”
أجابت:
“وليد! فهو قلق من أن يداهمك الإغماء بسبب الجوع! وأرسلني لتفقدك”
دغدغتني العبارة, لإحساسي بأن وليد يهتم بي…
قلت:
“أين هو الآن؟”
أجابت:
“خرج مع نوّار قبل قليل… ذاهبين إلى مكتب الطيران”
فوجئت بالجملة وشهقت وقلت:
“تعنين لشراء تذكرة السفر؟؟”
فأومأت بنعم, فجُنّ جنوني وصرّحتُ منفعلة:
“لن يغير موقفه… إذن سأذهب معه..”
والتفت نحو الهاتف وأتممت:
“سأتصل به وأطلب منه شراء تذكرة لي أنا أيضا”
وخطوت خطوتين نحو الهاتف حين استوقفتني دانة مادة يدها وممسكة بذراعي…
التفتُ إليها فوجدت الجد والحزم ينبعان من عينيها, ثم قالت:
“انتظري يا رغد… هل تظنين بأنه سيأخذك معه حقا؟”
اكفهرت ملامح وجهي وقلت مصرة:
“طبعا سيأخذني معه… أليس الوصي علي؟ ألست تحت عهدته؟”
فقالت بنبرة جادة:
“لقد… تنازل عن الوصاية لسامر”
حملقت فيها غير مستوعبة الجملة الأخيرة… فسألت:
“عفوا… ماذا قلت؟؟”
فقالت:
“كما سمعت… رغد”
فررت برأسي يُمنة ويسرة… كأنني أنفضه مما توهمت أذناي سماعه.. ثم هتفت:
“تكذبين!”
فنظرت إلي دانة متأثرة بتعبيرات الذهول الطارئة على وجهي ومن ثم تحولت جديتها إلى شفقة وأسى… وقالت:
“أخبرني بذلك بنفسه قبل قليل… قال أنه وكّل المحامي أبا سيف لإنجاز الإجراءات الرسمية أثناء مكوثه في المستشفى خلال الفترة الماضية”
رفعت يدي إلى صدري محاولة السيطرة على الطوفان الهمجي المتدفق من قلبي أثر الصدمة… وهززت رأسي غير مصدقة أن وليد قد فعلها… مستحيل… مستحيل..
“مستحيل”
أطلقت الصيحة وتابعت خطاي نحو الهاتف أريد الاتصال به والتأكد من الخبر على لسانه, غير أن دانة سحبت سماعة الهاتف من يدي وأجبرتني على النظر إليها والسماع إلى ما أرادت قوله..
“رغد! ماذا ستفعلين؟ هل ستطلبين منه إعادتك إلى كفالته؟ لا تعصبي الأمور يا رغد ودعيه يتصرف التصرف السليم والأنسب لظروفنا”
فهتفت منفعلة:
“الأنسب لظروف من؟ أنا لا ذنب لي في أن سامر يهدده الخطر إن عاد إلى الوطن. لا أريد البقاء هنا.. أريد العودة مع وليد والبقاء معه”
فسألت دانة منفعلة:
“إلى متى؟؟”
فقلت:
“إلى الأبد”
فإذا بدانة تمسك بيدي وتشد عليها وتقول:
“وليد لا يريدك أن تذهبي معه.. لم لا تفهمين ذلك؟ سيعود إلى خطيبته وربما يتزوجان قريبا.. لقد أعادك إلى سامر لتبقي مع سامر.. إنه أكثر شخص يحتاجك ويحبك يا رغد… إنه يمر بأزمة حرجة… لماذا لا تفكرين به؟”
سحبت يدي من بين أصابعها وابتعدت عنها وأنا أهتف بانهيار:
“أنا لا أريد العودة إلى سامر… لا تفعلوا هذا بي… لا تعيدوا الكرة… سأذهب مع وليد…”
************
كان لابد من حسم الأمور وبشكل نهائي حتى يحدد كل منا موقعه. كنت أفكر في الطريقة التي سأخاطب بها وليد هذا اليوم… وأطلب منه وضع النقط على الحروف وختم الصفحة.
كان الوقت ضحى وكنت جالسا في غرفتي أهيئ نفسي للمواجهة المرتقبة فأتتني شقيقتي دانة.
“صباح الخير سامر! ألم تنهض بعد؟؟”
“صباح الخير”
“تأخرت! رفعت أطباق الفطور”
سألتُ مباشرة:
“هل استيقظ وليد؟”
أجابت:
“نعم… وهو مع نوّار في مكتب الطيران الآن”
اضطربت تعبيرات وجهي وشردت بعيدا… ولما لاحظت دانة سألتني عما ألمّ بي, فما كان مني إلا أن أطلعتها على ما يدور في رأسي منذ الأمس… منذ أن أعلن وليد عن عزمه على العودة إلى الوطن… أخبرتها وبكل صراحة بأنني في حال رحيل أخي فسوف لن أتمكن من العيش مع رغد في مكان واحد وتولّي المسؤولية عليها, إلا إذا عاد رباطنا الزوجي الشرعي إلى سابق عهده… وإلا… فإن عليه اصطحابها معه وتخليصي من هذه الدوامة الفارغة. كنت صريحا جدا فقد اكتفيت من الهراء… ولن أستمر في لعب هذا الدور الأحمق…
“فإما أن يأخذها معه للأبد… أو يتركها معي وللأبد”
قلت ذلك منفعلا… ثم نظرت إلى دانة فرأيت على وجهها الأسى والقلق.. وكأنها تفكر في أمر ما..
“ما الأمر؟”
سألتها قلقا, فأجابت:
“آه… لقد… كنت مع رغد قبل قليل”
ففهمت أن لديها ما تقوله… فقلت:
“ماذا قالت؟؟”
فأجابت مترددة:
“تركتها تعد حقيبتها… مصرة على العودة إلى الوطن… مع وليد”
عن نفسي كنت أتوقع هذا… لم يفاجئني موقف رغد… لكنني أريد أن أحسم الوضع نهائيا مع وليد…
“إذن… سأطلب من وليد شراء تذكرة لها وأخذها معه, وننتهي”
وضربت الحائط من غيظي… وصحت:
“إنها لا تريده إلا هو… فليأخذها معه ويريحنا… أنا تعبت من هذا…”
كنت مجروحا من إصرار رغد على موقفها… ولا مبالاتها بي…
قالت دانة:
“لا تنفعل… دعه يعود… وسأتحدث أنا معه أنا أولا… لقد نقل الوصاية إليك كما أخبرني.. لن يأخذها معه.. سيقنعها بالبقاء معنا”
فقلت:
“وما الجدوى إن كانت ستبقى معنا وبالها معلق معه؟ ألم تري حالتها قبل حضوره؟ لا أريد أن يوليني المسؤولية على فتاة شبه حية… فليأخذها وليخلصني من هذا العذاب”
مدت دانة يدها وربتت على كتفي وقالت:
“هون عليك يا أخي”
فقلت منفعلا:
“أنا تعبت.. لقد كنت على وشك وضع نهاية لكل هذا.. هو من اعترض طريقي وجلبني إلى هنا.. هل سيتحمل هو عذاباتي؟”
صمتنا برهة.. ثم إذا بدانة تسأل:
“هل.. يعرف هو أنها…”
فأجبت مقاطعا:
“طبعا يعرف… وعليه هو أن يواجهها بحزم ويوقظها مما هي فيه.. إلى متى سيتركها تتعلق به وتجري متخبطة خلفه.. بينما هو متزوج ومشغول بزوجته؟”
قالت دانة متسائلة:
“هل… يحبها؟؟”
فاستغربت السؤال الدخيل وقلت:
“وما أدراني..؟!.. المهم أنه متزوج ومشغول بزوجته.. وليس شاغرا من أجل مشاعر رغد..”
قالت دانة موضحة:
“أعني… ماذا عن مشاعره هو؟؟”
فنظرت إليها باستغراب… وقلت مستفهما:
“مشاعره هو؟؟”
ورأيت نظرة ارتياب غريبة على عينيها أوحت إلي بأنها تلمح إلى شيء… فسألتها:
“ماذا تعنين بمشاعره هو؟؟”
فقالت مترددة:
“أعني… بما يشعر هو… نحو رغد”
فحملقت فيها تجتاحني الحيرة والدهشة… وقابلتني بنظرة جدية وكأنها تعتزم قول شيء مهم… وأخيرا قالت:
“سامر… سأخبرك بما قالته لي أمي رحمها الله… عندما زرتها بعد ليلة زفافي…”
أثار كلامها اهتمامي الشديد وسألتها بفضول:
“ماذا… قالت…؟؟”
فأجابت بنبرة جدية جعلتني أصغي بكل اهتمام وتركيز:
“عندما أخبرتها… عن قرار رغد المفاجئ بالانفصال عنك… وعن حالتها المتقلبة الغريبة تلك… بعيد سفر والديّ للحج… وعن بعض التفاصيل التي حصلت… قالت أن ذلك ما كانت تخشاه… وأنها… كانت قد لاحظت تغيّرات على رغد… بعد عودة وليد”
صمتت أختي لترى مدى تأثير الكلام علي حتى الآن… فحثثتها على المتابعة بلهفة:
“وبعد؟؟”
فتابعت:
“أنا بالفعل… لاحظت عليها تغيرات مزاجية كثيرة في تلك الفترة… لكنني لم أتوقع للحظة أن يكون السبب… هو وليد”
نعم وليد! وليد الذي ظهر فجأة… واستحوذ على قلب رغد… وأبعدها عني…
واسترسلت:
“كما لم أكن أبدا لأتوقع… أن…”
وصمتت مترددة وكأنها تخشى قول الجملة التالية. شجعتها وقلت:
“ماذا؟؟ أكملي؟؟”
قالت:
“لما أخبرتها عن ارتباط وليد المفاجئ بالفتاة بالمزرعة… حزنت وتألمت كثيرا… وأخبرتني أن وليد… كان أيضا يحب رغد كثيرا في صغره… كلنا نعرف ذلك… لكن… ما لم نكن نعرفه… هو أنه… حسب كلامها وحسبما تيقنت هي منه… أنه… حتى بعد عودته من السفر.. أعني من السجن.. كان لا يزال يحبها.. ويحلم بها.. وقد صُدم بزواجكما…”
حملقت في دانة بذهول… غير قادر على استيعاب ما تقول… بقيت مطرقا رأسي مذهول العقل منفغر الفاه… ثم نطقت مندهشا:
“مـــ… مـــ… ماذا تقولين؟؟!!”
فأجابت والمزيد من القلق يظهر على وجهها:
“ربما لم يكن يجدر بي قول هذا ولكن..”
ولم تتم…
فنظرت إليها بتشتت… واتسعت حدقتاي بدهشة بالغة… وقفزت إلى ذاكرتي فجأة كلمات أم حسام لي ذلك اليوم…
فإذا بلساني ينطق دون وعي مني:
“هذا… مـــ…. مستحيل!”
وإذا بدانة تقول:
“هذا ما قالته أمي… إنه كان لا يزال يحبها… وأنها وجدت صورة قديمة لرغد عنده ذات مرة”
************
كنت في الصباح.. قد ذهبت مع نوّار إلى مكتب الطيران واشتريت تذكرة سفر وأكدت رحلتي… والتي ستكون مباشرة إلى شمال الوطن.
حاولت الاتصال بالمزرعة وبهاتف أروى دون جدوى. لكنني اتصلت بالسيد أسامة واعتذرت له عن اختفائي المفاجئ وذكرت له أنني سأعود قريبا. كما اتصلت بسيف وطمأنته على أخباري…
وبعد عودتي للمنزل وفيما أنا أعبر الممر المؤدي إلى غرفة نومي رأيت سامر يقف في منتصف الطريق…
كان جليا عليه أنه واقف ينتظرني لأمر مهم… وأنا أعرف ما هو الأمر…
“مرحبا سامر… متى استيقظت؟؟”
سألته بمرونة فرد باقتضاب مباشرة:
“أريد أن أتحدث معك”
كان يبدو منفعلا… التوتر يخط تجاعيد متشابكة على قسمات وجهه…
قلت وأنا أسبقه إلى الغرفة وأفتح الباب:
“تفضل”
دخلنا الغرفة وتركنا الباب مفتوحا… دعوت أخي للجلوس لكنه وقف قرب الباب مستعجلا على الحديث فوقفت أمامه وسألت:
“خير؟؟”
نظر إلي سامر بنظر تمزج الحزن واللهفة… والغضب والقهر… ثم قال:
“وليد… سأسلك سؤالا… وأرجوك… أرجوك… أن تجيب عليه بمنتى الصراحة”
نبرته أصابتني بالقلق… فقلت:
“ماذا هناك؟؟”
فركز سامر نظرة إلي وقال:
“أجبني بكل صراحة يا وليد”
فقلت وقد تضخم قلقي من جدية نظرته:
“اسأل؟؟ لقد أقلقتني”
فإذا بسامر يزم شفتيه ثم ينبس قائلا:
“كيف تشعر… نحو رغد؟؟”
فاجأني السؤال… أذهلني… عصف بقدرتي على الاستيعاب… أو ربما لم أسمع جيدا… ماذا سأل أخي؟؟
قلت:
“عفوا؟؟”
فقال أخي وقد زاد توتره واحتدت نبرته:
“أقول كيف تشعر نحو رغد؟؟”
وكان يحملق بي بشدة راصدا كل انفعالات وجهي وتغيرات لونه… تكاد نظراته تسلخ جلدي لتقرأ ما هو أعمق منه… وفجأة إذا به يقول:
“أحقا… كنت… تحبها؟؟”
ولم أشعر إلا بالدماء تفور في وجهي فجأة… وتصبغه بلون شديد الاحمرار… حتى أنني خشيت أن تتصبب قطرات الدم من جبيني مصحوبة بزخات العرق…
لساني ألجمته المفاجأة… وعيناي قيدتهما عينا أخي وهما تتربصان بردي… كان أخي يكاد يلتهمني بنظراته ورأيته يعضض على شفته السفلى توترا… ويكاد يصرخ منفعلا…
عصرت لساني حتى خرجت الكلمات التالية منه عنوة:
“ما… ماذا تعني يا سامر! ما هذا السؤال؟؟”
وما كان من أخي إلا أن ركل الباب الذي نقف قربه بعنف وكرر سؤاله بعصبية:
“فهمتني يا وليد… وسؤالي واضح جدا… قل لي هل فعلا كنت تحب رغد؟؟ هل أنت تحبها الآن؟؟ أخبرني قبل أن أجن..”
وللحالة الرهيبة التي اعترت أخي… خشيت أن يحصل أي شيء… فقلت محاولا كبت مشاعري والتظاهر بالمرح:
“نعم أحبها!”
فرمقني أخي بنظرة حادة قاطعتها بقولي:
“أحبها مثل ابنتي تماما! أنا من تولى تربيتها مع والدينا”
محاولا أن يظهر ردي مرحا ومقنعا قدر الإمكان… أخي… نظر إلي بارتياب… ثم قال:
“هل هذا كل شيء؟؟ أجبني بصراحة”

__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القلب الحزين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(رغد , انت , رواية , ووليد)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:10 PM

عقارات اليمن


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات اليمن أغلى